خيري منصور معظم ما كُتب عن محاولات الغرب الاستعماري، إجهاض أي مشروع قومي عربي للنهوض، بقي أشبه بمبتدأ الجملة، التي بلا خبر؛ لأنه توقف عند وجه واحد من المسألة، أما الوجه الثاني فهو بحاجة إلى قدر من الخيال السياسي والعلمي معاً، يتم من خلاله تصور وطن عربي متكامل، ولا يحول فيه الاختلاف الكمي دون تحقيق الالتئام النوعي ولو في حده الأدنى، ومثل هذا التصور من شأنه أن يقدم مشاهد مضادة للراهن؛ حيث التكامل هو البديل للتآكل والتشظي، واختيار الطرح والقسمة فقط من الرياضيات القومية على حساب الجمع. وحين نعيد قراءة عشرات، وربما مئات الكتب والتقارير، التي وضعها مستشرقون في الحقبة الكولونيالية، ومعظمهم كانوا مرتبطين بوزارة المستعمرات، نجد أن ما يلحون عليه هو جوانب الاختلاف في العالم العربي، بدءاً من البيئات الجغرافية حتى الحضارات، التي سادت قبل العرب. والهدف من ذلك؛ هو إحداث قطيعة بين العربي المعاصر ومنابعه القومية؛ بحيث يكون فينيقياً أو كنعانياً أو فرعونياً؛ وبذلك تشتبك الهويات، وتكون على حساب الهوية الأم، التي تبلورت تاريخياً وحضارياً منذ نشأة الدولة العربية الإسلامية، واستمرارها في التاريخ، وما تبقى من إنجازاتها الثقافية والإنسانية. إن وطناً عربياً متكاملاً يمتد على هذه التضاريس ذات الموقع الأهم في العالم تستحق الحيلولة دون وجوده تلك الجهود التي بذلت خلال قرون سواء من قوى دولية أو إقليمية ذات مصلحة في إبقاء العرب مُتنازعين، وتحويل التنوع الثقافي والعقائدي في مجتمعاتهم من سبب وجيه للغنى والتكامل والتعايش إلى سبب مضاد، للإفقار والتقسيم، وبالتالي إصابة البوصلة القومية بالعطب، وإذا قدر لهذا الوطن العربي أن يصحو ذات يوم من سباته الكهفي؛ فسوف يكتشف خساراته الفادحة؛ بسب التشظي.. وما نرجوه هو ألّا يحدث ذلك بعد فوات الأوان ! khairi_mansour@yahoo.com
مشاركة :