من ليالي الحلمية، إلى زيزينيا، مرورًا بالراية البيضاء وغيرها من الروايات التي كان بطلها المجتمع المصري في المقام الأول، المكان الذي صار بطلًا في أعماله الدرامية التي أمتعتنا كثيرًا، قدَّم لنا أولاد البلد في تغيراتهم وناقش طبقات المجتمع بحيادية منقطعة النظير، إنه أسامة أنور عكاشة، الذي تمر اليوم ذكرى مولده، فقد ولد في 27 يوليو 1941 وفارق الحياة 28 مايو 2010، ورغم أن الكثير من أعماله تناول الحركة الوطنية بتقلباتها ومظاهراتها وحراكها الثوري، ونادى كثيرًا بالحرية وهاجم الفساد وحاربه في معظم أعماله، فإنه لم يكن له نصيب في مشاهدة 25 يناير 2011، التي طالما حلم بها.حصل أسامة أنور عكاشة على ليسانس الآداب من قسم الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس عام 1962، وعمل بعد تخرجه إخصائيًّا اجتماعيًّا في مؤسسة لرعاية الأحداث، ثم عمل مدرسًا في مدرسة بمحافظة أسيوط، في الفترة من عام 1963 إلى 1964، ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ، في الفترة من عام 1964 إلى 1966، انتقل بعدها للعمل إخصائيًّا اجتماعيًّا في رعاية الشباب بجامعة الأزهر، من عام 1966 إلى 1982، عندما قدم استقالته ليتفرغ للكتابة والتأليف.كان عكاشة مداومًا على نشر المقالات بصحيفة الأهرام، وله مجموعات قصصية وأعمال روائية آخرها سوناتا لتشرين عام 2010، وبعد وفاته تم تحويل روايته منخفض الهند الموسمي لمسلسل تليفزيوني باسم موجة حارة عام 2013 وقد عالجتها دراميًّا مريم نعوم.ورغم كتابته عددًا كبيرًا من الأفلام السينمائية، لم ينجح في هذا المجال بقدر ما فعل في التليفزيون، حيث قدم ستة أفلام فقط، أشهرها كتيبة إعدام، ودماء على الأسفلت.ويعد مسلسل ليالي الحلمية باب المجد والشهرة لأسامة أنور عكاشة، وجاء "ليالي الحلمية" في خمسة أجزاء، شارك فيه عدد كبير من الممثلين يصل إلى 300 ممثل، وأخرج هذا المسلسل الكثير من نجوم الدراما في السنوات اللاحقة، ولن ينسى محبو المسلسل تترات بداية ونهاية المسلسل من غناء محمد الحلو، وكلمات سيد حجاب.ويقدم المسلسل مصر منذ حكم الملكية وعصر الباشوات والهوانم وحتى بداية التسعينيات، من خلال مجموعة كبيرة من الشخصيات التي استطاع الكاتب أن يحكم السيطرة على حياة كل منهم فتأخذ منعطفات قد تكون حادة ولكن دومًا مبررة.وفي مسلسل "أرابيسك" قام باستحضار روح مصر التي تتميز بالتنوع نتيجة التيارات المختلفة التي مرت بها في تاريخها وسنوات الاحتلال الطويلة، ولا يوجد أفضل من الفنّ ليعبر عن ذلك، فجاءت الشخصية الرئيسية في المسلسل "حسن أرابيسك" الفنان الذي يمتلك ورشة لصنع التحف من الخشب والصدف والنحاس، وموهبة لا تضاهى، لكن الإحباط والشعور بعدم التقدير أفقداه التوازن لفترة طويلة من الزمن ليجد الملاذ ليصحح مساره في فيلا أحد العلماء المصريين الذي قرر أن يحول منزله إلى دليل على تسلسل الحضارات على مصر، فيصبح لكل قاعة طابَع معين، منها اليوناني والروماني والمملوكي والإسلامي والذي يعمل عليه حسن.وفي "زيزينيا" حيث تدور أحداث المسلسل في الأربعينيات من القرن الماضي، عندما عاشت الإسكندرية أزهى عصورها، حيث اختلط فيها الأجانب بالمصريين ليصنعوا مجتمعًا مختلفًا عن باقي مدن مصر، من خلال شخصية رئيسية هي “بشر عامر عبدالظاهر، ذي الأب المصري والأم الإيطالية، الذي يعاني محاولة كل جانب اجتذابه. ومن بين أهم مسلسلات أسامة أنور عكاشة "ضمير أبلة حكمت"، تناول خلاله العديد من القضايا المهمة، مثل التعليم والأسرة ومشاكل الفتيات المراهِقات وغيرها، من خلال شخصية أبلة حكمت ناظرة مدرسة البنات والتي جسدت دورها الفنانة "فاتن حمامة" وكان أول عمل درامي لها.قال عنه الناقد طارق الشناوي: "أسامة ابن الإعلام الرسمي، إلا أنه لم يكن يومًا صوتًا للنظام، كان أسامة صوت أسامة، كثيرًا ما اصطدم بالنظام، حتى إن حلمه بتقديم فيلم عن حرب أكتوبر لم يتحقق رغم أن كل المؤسسات السيادية وافقت ومنحت ضوءًا أخضر، فقد تعرَّض لهجمة شرسة من مؤسسة صحفية كبيرة مطلع التسعينيات، قالوا إنه ليس ساداتيًّا، وأكتوبر هو انتصار السادات، كان أسامة يحلم بأن يقدم الفيلم من خلال الجندي الذى حارب وليس القائد الذى اتخذ القرار، كان يهاجم سطوة الإعلانات ووصفها بالبقرة المقدسة، ومدافعًا شرسًا عن الحرية.وفي الأخير فإن أسامة أنور عكاشة طوّر في طريقة كتابة المسلسلات التليفزيونية، واستطاع أن يستخدم موهبته الروائية في تحويل الدراما لروايات حية، مع عدد كبير من الشخصيات في كل مسلسل، ولكل شخصية جذور وبدايات تبرر أفعالها أثناء الأحداث، ومن إضافاته أيضًا المسلسلات متعددة الأجزاء والتي احتفظت بجماهيرية عالية رغم عرضها على مدى سنوات متباعدة، وبعده أصبحت المسلسلات تعرف بمؤلفيها وليس فقط بممثليها ومخرجيها.
مشاركة :