من الملاحظ تطور بعض السلوكيات الوحشية تجاه الكائنات عموما والحيوانات البرية خصوصا، ما يعرض البيئة الصحراوية الهشة للتدمير والتدهور. لا أدري كيف تطورت "القيم العدوانية ضد البيئة" ثم كيف زرعت في نفوس هذه الفئة المعادية للبيئة والحيوان، يبدو أنها من الإفرازات السلبية للتنمية الاقتصادية السريعة التي شهدتها المملكة خلال العقود الماضية، ولم يواكبها تطوير للقيم الإيجابية، بل أصاب بعض القيم اختلال تمخضت عنه بعض السلوكيات الغريبة التي لم تكن موجودة فيما قبل الطفرة التنموية التي شهدتها البلاد في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي. الاستغراب يأتي لسببين، الأول هو أن المجتمع السعودي لم يكن كذلك في مرحلة ما قبل الطفرة، والسبب الثاني أن الدين الإسلامي يحث على احترام المخلوقات جميعا والرأفة بها، بل ينهى عن الإساءة للحيوان وإيذائه. فعن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت النار امرأة في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض"، وكذلك عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن أبيه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. أسعد الكثيرين من أنصار البيئة تحرك وزارة البيئة والمياه والزراعة لحماية الحيوانات من الإساءة والوحشية غير المبررة من خلال تشكيل لجنة وزارية للنظر في قضايا الإساءة للحيوان، تفعيلا لنظام الرفق بالحيوان الذي أقره مجلس الوزراء منذ أربعة أعوام تقريبا. ومن المقرر أن تتولى هذه اللجنة النظر في قضايا الإساءة إلى الحيوانات سواء من خلال المنشأة أو الأفراد وتشمل المخالفات الضرب أو القتل غير المبرر أو بيع الحيوانات المهددة بالانقراض ونحو ذلك. وجدير بالذكر أن النظام يشتمل على عقوبات شديدة وغرامات كبيرة على مرتكبي المخالفات. هناك ممارسات لا تخفى على عاقل، القنص الجائر لبعض الكائنات، والتفاخر والتباهي بقنص أكبر عدد ممكن من الطيور والحيوانات، ليس للحاجة إلى لحومها، خاصة في هذا الزمن الذي ننعم فيه بكل ما لذ وطاب من اللحوم المحلية والمستوردة من أقاصي الأرض. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك فئة من الشباب لا توجد في قلوبهم ذرة رحمة للكائنات، فيقتلون أي طائر يعترض طريقهم في الصحراء، ويطاردون الثعالب في البراري البعيدة عن المدن والمناطق المأهولة، لمسافات بعيدة، تجعلها تلهث من التعب، فتسقط تحت عجلات السيارات التي تدوسها دون مبرر، ويتتبعون الذئاب في أوكارها في أعالي الجبال، ثم يحرقونها أو يعذبونها، ومما يثير الاستغراب أن بعضهم يتلذذ بلحوم الضباع وغيرها من الحيوانات التي تواجه الانقراض. لذلك ينبغي العمل بجدية وحزم في زمن الحزم لمحاربة "الإرهاب البيئي" والحد من السلوكيات السلبية التي تتنافى مع ديننا الحنيف وتعرض البيئة والحياة الفطرية للتدهور والدمار، والأمل أن يتمخض عن هذه اللجنة الوزارية المعلن عنها برنامج عمل يتضمن أنشطة ومهام ذات أبعاد متعددة، ويقوم عليها شراكات مع جهات متعددة تأتي وزارة التعليم في مقدمتها لغرس قيم الرفق بالحيوان في نفوس الناشئة، إضافة إلى الجمعيات ذات العلاقة، وكذلك إتاحة الفرصة للتطوع والإسهام في هذا المجال، ومن الأهمية كذلك عقد دورات تدريبية تعزز مبادئ الرفق بالحيوان وتشجع على حماية الحياة الفطرية، ووضع تطبيق على الهواتف الذكية للتبليغ عن التجاوزات، وأخيرا أقترح تأسيس جمعية الرفق بالحيوان.
مشاركة :