عن ظاهرة أبعد من مجرد التناول

  • 7/29/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل فترة وجيزة من النقاش عن تشريع زراعة الحشيشة في لبنان، ظهر إعلان تلفزيوني أثار لغطاً كبيراً، ويتصل بظاهرة الاعتماد Dependence على مواد مؤثرة نفسياً وعصبياً. في الإعلان، يظهر أولاً سائق حافلة حاملاً بيده زجاجة بيرة يهز رأسه بتصميم كأنه يتحدى أمراً ما، ويشير إلى أنه «يشرب» قبل قيادته باصاً مدرسياً على رغم مخالفة ذلك قوانين وأعرافاً بذلك الشأن. وعلى نحو مشابه، يظهر تلميذان في مقتبل المراهقة، يهزان رأسيهما إشارة إلى المضمون نفسه، وخلفهما مجموعة من طلاب في باحة مدرسة. وكذلك الحال لمن كَبُر في السن، لكنه «يشرب» إلى أقصى حد ممكن، ولشابة «تشرب» قبل ممارسة الرياضة، وشاب يشرب قبل نومه، وآخر بمجرد استيقاظه، وكلهم يهزون الرأس بالطريقة نفسها والمعنى نفسه. ويختتم ذلك الإعلان على امرأة محجبة على الطريقة الإسلامية، تحمل زجاجة بيرة وتعلن أنها «تشرب»، وتهز رأسها في إشارة إلى المعنى نفسه، لكنها هي التي تُعلن أن ما «تشربه» ليس سوى بيرة من دون كحول! أثار ذلك الإعلان التلفزيوني نقاشات كبيرة. ظهر من طلب منعه، استناداً إلى تحديه واستهزائه بالحظر الإسلامي تجاه الكحول، خصوصاً في مشهدية المرأة المحجّبة. وبغض النظر عن مدى صحة حجج المنع أو بطلانها من الناحية الدينيّة، إلا أن هناك أموراً في الطب النفسي تتعلق بظاهرة الاعتماد على تعاطي المواد المغيّرة للكيف، الأرجح أن صُنّاع ذلك الإعلان لم يتنبهوا كفاية لها. أعراض مرضيّة إذن يشمل الاعتماد (أو الإدمان) أعراضاً مرضيّة كثيرة، يحتل تناول المادة المركز فيها، لكنها لا تقتصر عليها. وفي ألفباء الاعتماد أن تكرار الممارسة والعادات المرتبطة بها (تصل إلى حد الطقوس المكررة)، تشكل جزءاً ضخماً منها، بل لا تقل أهمية عن تناول المادة. أليس خطراً أن نتهاون حيال ترسخ عادات التعاطي والاعتماد وطقوسه في مراهقين في مستهل يفاعتهم، بل في المدارس التي يفترض أنها تربيهم وتعدهم للمستقبل؟ في بديهيات ظاهرة الاعتماد الكحولي، أن تناول المادة صباحاً يعبّر عن مرحلة متقدمة من الاعتماد، ولا يقل عن ذلك الإصرار على تناولها قبل النوم، فلا يبدأ اليوم ولا يختتم إلا بالتناول. الأرجح أن معدّي الإعلان لم يتنبهوا لأمور هي من البديهيات في المقاربة العلمية لظاهرة الاعتماد على المواد المؤثرة نفسيّاً. وعلى سبيل العرض السريع، تشمل ظاهرة الاعتماد (الإدمان) مجموعة من الأعراض أبرزها: 1-التوق المستمر لتناول المادة Craving. 2-زيادة الكمية التي يتناولها الفرد من المادة، فيغدو قادراً على تحمل تناول كميات متزايدة منها Increased Tolerance. 3-ظهور أعراض مرضية عند التوقف عن التناول، ما يسمّى أعراض الانسحاب Withdrawal Symptoms. 4-الميل إلى وقف الأعراض الانسحابية بواسطة العودة إلى تناول المادة Taking for Relief. 5-ترسخ عادات التناول إلى حد أنها تصبح روتيناً يضيق باستمرار، فيقتصر في النهاية على مجرد التناول، بما فيها خصوصاً بداية اليوم وختامة Narrowing of Repertoire. 6-تقلص حياة المعتمد على المادة بمعنى أنها تصبح متمحورة حول تناولها Salience of Drug Seeking Behavior. 7-إذا حدث انقطاع عن تناول المادة، تحدث عودة سريعة إلى تناول كميات كبيرة منها Rapid Reinstitution of Substance Taking Behavior.

مشاركة :