مرجريت دوراس..الكتابة بحبر الريح

  • 7/30/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» في كتابها الذي ترجمته إلى العربية هدى حسين، وعنوانه «الكتابة» تؤكد «مرجريت دوراس» (4 إبريل 1914 - 11 إبريل 1996) أن الكتابة هي المجهول، فقبل أن نكتب لا نعرف شيئاً مما سوف نكتبه، مع كل التكهنات، هي المجهول في ذات الكاتب، في عقله وجسده، الكتابة ليست تأملاً، إنها نوع من الملكات نحظى بها إلى جانب شخصنا؛ بل وموازية له، إنها شخص آخر يظهر ويتقدم، غير مرئي، موهبته التفكير والغضب، وفي بعض الأحيان من جرّاء عمله الشخصي، يقع في خطر فقدان حياته.تقول: «إذا كنا نعلم شيئاً مما سنكتبه قبل أن نكتبه ما كنا كتبناه، كان الأمر سيبدو غير مجد، أن نكتب هو أن نسعى إلى معرفة ما سوف نكتبه، إذا كتبنا - لا ندرك ذلك إلا فيما بعد - أما فيما قبل فيكون هذا السؤال هو الأكثر خطورة مما يمكن أن نطرحه على أنفسنا؛ لكنه السؤال الذي مع ذلك نردده كثيراً، المكتوب يأتي كالريح، يأتي عارياً، من الحبر المكتوب يمر كما لا يمر شيء آخر في الحياة إلا هي الحياة».تحكي مرجريت دوراس أنها حين تكون وحدها في البيت تكتب، ففي البيت تصل بها الوحدة أحياناً حد الضياع، حتى إنها فوجئت بأنها كتبت في هذا البيت لمدة عشر سنوات، حتى صارت الكاتبة التي يعرفها الناس، إنها هي التي أوجدت تلك الوحدة، فهنا كتبت «اختطاف لول ف. شتاين» و«نائب القنصل» ثم أعقبتهما كتابات أخرى، وهي مدينة بصورة ما للعزلة التي جعلتها تنتج مثل هذه الكتب: «إن العزلة المتعلقة بالكتابة هي عزلة بدونها لا ينتج المكتوب أو إنه يتفتت نازفاً في البحث عما يكتب، هو فقد من الدم، لم يعترف به الكاتب بعد، وقبل كل شيء لا ينبغي أن يملى أبداً على سكرتيرة ما، مهما كانت ماهرة، وأبداً لا يترك لناشر أن يقرأه في هذه المرحلة».العزلة هي التي تفصل بين الشخص الذي يؤلف كتباً والآخرين المحيطين به، فمن أجل الشروع في شيء يتساءل المرء عن هذا الصمت المحيط به، فهل يجد المرء العزلة؟ العزلة توجد وحيدة، تقول دوراس: «أنا أوجدتها لأنني قررت أنه على أن أكون وحيدة، أن أبقى بمفردي من أجل الكتابة، كنت وحدي داخل البيت، حبست نفسي فيه، كان الخوف ينتابني بالتأكيد، وبعد ذلك أحببته، هذا البيت، صار بيت الكتابة، كتبي تخرج من هنا، من هذا الضوء، من الحديقة، من الشعاع الذي تعكسه البركة، لقد كلفني كتابة ما أقوله الآن عشرين عاماً».العزلة لدى مرجريت دوراس تعني إما الموت أو الكتابة، فإن يجد المرء نفسه في حفرة، في وحدة شبه تامة، ويكتشف أن الكتابة وحدها هي التي سوف تنقذه ولا يملك موضوعاً ولا فكرة لكتاب، معنى ذلك أن يجد المرء نفسه أمام كتاب، اتساع فارغ، كتابة محتملة، كتابة عارية وحيوية، كتابة مخيفة، مخيف تجاوزها، فهل تستحق الكتابة هذا العناء؟ الكتابة - كما ترى دوراس - تجعل الإنسان برياً، تلحقه بوحشية ما قبل الحياة، ويعرفها دائماً، وحشية الغابات، القديمة قدم الزمن، وحشية الخوف من كل شيء، متميزة ومشتبكة بالحياة ذاتها، يكون الإنسان ضارياً، لا يمكن لفرد أن يكتب من دون قوة الجسد، يجب أن يكون أقوى من ذاته ليقترب من الكتابة، أن يكون أقوى مما يكتبه، إنه شيء غريب، ليست الكتابة فقط؛ بل المكتوب، إنها صرخات الحيوانات الليلية، صرخات الجميع، صرخات الكلاب إنها فجاجة غليظة باعثة على اليأس، فجاجة المجتمع.ماذا إذن عن الكاتب؟ إنه - حسب دوراس - التناقض واللامعنى في الوقت نفسه، أن تكتب هو أيضاً أن تمتنع عن الكلام، هو الصمت، الصراخ بلا ضجة، مريح هو الكاتب، ففي أغلب الأحيان يكون منصتاً، ولا يتحدث كثيراً؛ لأنه من المستحيل أن يكلم أحداً عن كتاب ألفه، مستحيل بخلاف السينما، بخلاف المسرح، والمرئيات الأخرى، بخلاف كل القراءات، إنه الأصعب من الجميع، الأسوأ، فالكتاب هو المجهول، هو الليل، هو الانغلاق، لكن الكتاب هو الذي يتقدم، ينمو ويتقدم في الاتجاهات التي كان يعتقد الكاتب أنه اكتشفها، يتقدم نحو قدره الخاص، وقدر كاتبه، الذي ينتهي وجوده بفعل النشر، انفصال الكاتب عنه، دائماً الكتاب المأمول هو الأحب، وكأنه آخر مولود.تقول دوراس: «أن أكون وحدي مع الكتاب الذي لم أكتبه بعد هو أن أكون ما زلت في الإغفاءة الأولى للبشرية، وحدي مع الكتابة التي لا تزال بكراً، محاولة ألا أموت بسببها، هو أيضاً أن أكون في مخبأ أثناء الحرب، غير قادرة على التفكير إلا في هذه الرغبة المجنونة في إفناء الدولة الألمانية حتى آخر نازي».ولدت مرجريت دوراس في سايجون بفيتنام حين كانت مستعمرة فرنسية، وهي تُسمى الآن مدينة «هو شي منه» وقد توفي والدها مبكراً، وارتبطت بعلاقة بشاب صيني ترك أثراً في كتاباتها، إضافة إلى السنوات والظروف القاسية، التي عاشتها في شرق آسيا، كل ذلك ترك آثراً في كتاباتها اللاحقة، وقد زارت باريس في عمر السابعة عشرة، وبدأت تدرس هناك الرياضيات، ثم تركتها لتدرس العلوم السياسية والقانون.وعرفت الشهرة حين أصدرت روايتها «السيد في مواجهة الباسيفيك» عام 1950 وتناولت خلالها طفولتها في الهند الصينية؛ لكن شعبيتها زادت؛ بفضل المسرح حيث أصدرت مسرحية «الميدان» عام 1962 و«أيام بأكملها بين الأشجار» عام 1968 وعرفت على نطاق أوسع عبر سيناريو فيلمي «هيروشيما حبيبتي» و«الأغنية الهندية»؛ لكن النجاح الساحق لرواية «العاشق» الصادرة عام 1984 غطى على معظم أعمالها الأخرى، ونالت عنها جائزة جونكور.

مشاركة :