تعيش محافظات الجنوب الجزائري هذه الأيام على وقع احتجاجات شعبية بسبب ارتفاع نسب البطالة وغياب التنمية، وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي عنيف في البلاد، في حال استمرت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لهذه المنطقة على حالها. وخرج أهالي كل من محافظات بشار وورقلة والجلفة وبجاية إلى الشوارع، لإيصال مطالبهم ذات المضمون الاجتماعي والاقتصادي، وإيصال معاناتهم، مطالبين السلطات بتحسين الظروف المعيشية لسكان الجنوب من خلال رفع التهميش عنهم، وتوفير الخدمات الأساسية وإيجاد حلول للمشكلات التنموية التي تعاني منها منطقتهم، إضافة إلى تمكين الشباب العاطل من الحصول على مناصب عمل. إلغاء حفلات غنائية وكانت أكبر وأعنف احتجاجات في ورقلة المحافظة الغنيّة بالنفط، والتي اضطرت بسببها السلطات إلى إلغاء حفلات غنائية كانت مبرمجة نهاية الأسبوع الحالي، بعد منعها من قبل المتظاهرين، ومطالبتهم بصرف المبالغ المدفوعة للمغنين في مشاريع للتنمية، وتحسين البنية التحتية، كما لجأ محتجون عاطلون إلى تقطيع أجسادهم بآلات حادة، للفت انتباه السلطات لمشاكلهم. وكانت السلطات الجزائرية نجحت طوال السنوات الأخيرة في احتواء الغضب الشعبي بمدن الجنوب، وتعاملت مع الاحتجاجات بقرارات وإجراءات سريعة، إلا أن بدء الحكومة منذ أكثر من عام، في تطبيق سياسات تقشفية بسبب تراجع مداخيل البلاد على خلفية انهيار أسعار النفط، وما رافقها من ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية وتوقف إنجاز المشاريع، أعاد الحركات الاحتجاجية إلى الواجهة من جديد. قنبلة موقوتة ووسط مخاوف من استمرار هذا الاحتقان وخروج الوضع عن السيطرة، سارعت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان إلى التحذير من تداعياته على حال السلم الاجتماعي في البلاد، واصفة الحركات الاحتجاجية التي تعرفها منطقة الجنوب من فترة إلى أخرى بـ"القنبلة الموقوتة" التي قد تنفجر في أي لحظة، وهو "ما قد تستغله أطراف أجنبية لتنفيذ أجندات واضحة". وأرجعت المنّظمة، في بيان لها، نشرته السبت، هذه الاحتجاجات إلى "الأخطاء الاقتصادية القاتلة التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة في الجزائر، بتركيزها على بعض المدن الكبرى، مثل العاصمة، وهران، قسنطينة، دون سواها من المناطق الأخرى". وطالبت الحكومة بضرورة البحث عن أفكار جادة لتنمية منطقة الجنوب بعيدا عن البترول والغاز، كالاستثمار في السياحة، الزراعة، الطاقات البديلة، مضيفة أن الجنوب قد يكون مستقبل الجزائر إذا أحسنت السلطات استغلاله بحكمة. وأحصت المنظمة وصول نسبة البطالة في مناطق الجنوب الجزائري إلى أكثر من 30% لدى الشباب، رغم أنّها مصدر ثروات النفط والغاز التي تدر 98% من المداخيل المالية للجزائر. وتعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي الجزائري عادل أورابح، إن الجنوب الجزائري عموما ومحافظة ورقلة تحديدا، "صار مركز الثقل الاحتجاجي في الجزائر منذ 2011 على الأقل، ويشهد احتجاجات متكررة تصل إلى التصادم العنيف أحيانا، في منطقة استراتيجية اقتصاديا وهامشية سياسيا". شبكات إجرامية واعتبر أن التمدين السريع والوتيرة الديموغرافية المتسارعة التي تعرفها المنطقة وما يرافقها من مطالب سياسية واجتماعية متعاظمة في ورقلة، لا تقابلها عروض سياسية وتنموية كفيلة باحتواء الوضع، لافتا إلى أن نظرة النظام إلى الجنوب" لا تزال فلكلورية وقائمة على أسطورة "الجنوب الهادئ" المتوارثة عن الإدارة الاستعمارية". وحذر أورابح من انخراط شباب المنطقة في الشبكات الإجرامية واستقطابهم من قبل المنّظمات الإرهابية، في صورة استمرار سخطهم وعدم تدخلّ الدولة لتمكينهم من حقوقهم.
مشاركة :