أدى تقدم التقنية في منطقة الشرق الأوسط إلى ظهور نظام بيئي ناشئ مزدهر لكنه متطور. تُعد إحدى وسائل تقليل النفقات هي صرف النظر عن تأسيس مقرات الشركات بالشكل التقليدي والبحث عن مساحة عمل مشتركة بدلا من ذلك. في السطور التالية، يكتشف مصطفى عادل المزيد. تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق المتصلة رقميًا في العالم، إذ يتصل متوسط 88% من إجمالي تعدادها السكاني بالإنترنت يوميًا. ونتج عن هذا الاتصال عدد متزايد من الأجيال الشابة التي تختار العمل في كيانات أصغر بدلا من المؤسسات الكبرى. ووفقًا لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال عام 2017، أصبح مفهوم العمل الفردي يحظى بتقدير كبير وينظر إليه الكثيرون باعتباره خيارًا مهنيًا مهمًا. في مصر –التي تُعد أحد أكبر مراكز ريادة الأعمال في المنطقة بجانب الإمارات- على سبيل المثال، ينظر 83% من الشباب إلى العمل الفردي باعتباره خيارا مهنيا قابلا للتطبيق. ومع اعترافنا بأن المنطقة ما زالت متأخرة عن نظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا؛ فمن المهم أن نشير إلى أن الاستثمارات في الشركات الناشئة تبلغ نحو 1 مليار دولار أمريكي، وفقا لشركة ماجنيت – MAGNiTT؛ وهي منصة تراقب أداء وتقدم بيانات عن الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتُعد هذه زيادة ملحوظة عن السنوات السابقة. وبالنسبة إلى أي شركة ناشئة في مرحلة صعود، تكون هناك تحديات وعقبات يجب التغلب عليها. وبعيدًا عن التمويل، تظهر هذه التحديات عادةً في منحنى التعلم، إذ يحتاج الكثيرون إلى الموارد والمعرفة للتطور والنمو ولا يكون الحصول على هذه الوسائل أمرًا سهلًا دائمًا. تُعد إحدى وسائل تقليل النفقات هي صرف النظر عن تأسيس مقر للشركة، وأصبح اللجوء إلى مساحات العمل المشتركة حلا عمليا إلى حدٍ كبيرٍ الآن. الموقع ثم الموقع أُطلِق مشروع المقر، وهي مساحة عمل مشتركة في مصر، عندما أدرك مجموعة من رواد الأعمال أن العديد من الشركات الناشئة ليس لديها مقر خاص بها أو تعاني مشقة البحث عن مقر مناسب لها وينتهي بها الحال لتنفق أموالا طائلةً في ذلك. وقال محمد ناجي، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة المقر: «لقد كانت لدينا دائمًا هذه الفجوة في إيجاد مكان مناسب للعمل به، ليس فقط مكانًا مجهزًا بكل الوسائل التي نحتاج إليها، بل أن نكون وسط أشخاص مشابهين لنا في التفكير يمكنهم مساعدتنا على بذل مزيد من الجهد». وتوفر الشركة كل شيء تحتاج إليه أي شركة ناشئة، من غرف الاجتماعات إلى أماكن إقامة الفعاليات بالإضافة إلى اتصال إنترنت ثابت. وتناسب أسعار الخدمات معظم الميزانيات، إذ يبدأ سعر حجز غرف الاجتماعات من 90 جنيهًا مصريًا في الساعة الواحدة، ويبدأ سعر العضوية الكاملة للحصول على مكتب مشترك من 850 جنيهًا في الشهر الواحد. وأضاف ناجي قائلا: «نحن مندمجون تمامًا في النظام البيئي المصري لريادة الأعمال وهو ما يمكّننا دائمًا من توفير فرص النمو لأعمالنا وشركاتنا الناشئة، كما أننا نربط أعضاءنا بالموارد ومسؤولي التوظيف والمواهب والمستثمرين ومنظمات الدعم وأي شيء قد يحتاجون إليه». بالنسبة إلى ناجي، لا يتعلق الأمر بالخدمة أو المنتج فقط، بل الأهم من ذلك هو خلق مجتمع فعال من رواد الأعمال المتحمسين الراغبين والقادرين على مساعدة بعضهم البعض في النمو. وتابع ناجي قائلا: «بالنسبة إلينا، يتعلق الأمر كله بالمجتمع وليس مساحة العمل. نحتاج فقط أن يخرج الجميع من غرفهم المغلقة وأن يبدأوا في التعرف على أشخاص أكثر والتحدث إلى كل من حولهم وبناء علاقات عميقة جديدة والتفكير في مشروعاتهم وتقديم الدعم في أي ما يمكنهم، وأخيرًا التعاون مع بعضهم بعضا لتحقيق تأثير أكبر». وفي لبنان، تربط مساحة العمل المشترك (أنتوورك) المجتمعات من خلال تزويدها بالأدوات اللازمة لإدارة الموارد واستثمارها. وتوضح زينة بدير، المؤسسة والمديرة التنفيذية للشركة، قائلةً: «تغيّر أنتوورك الطريقة التي تُجرى بها الأعمال، وتقضي على الحاجة إلى مقر مخصص للعمل والاستثمار في الأدوات والمعدات وخدمات الملكية». ومثل المقر، صُممت مساحة العمل المشترك أنتوورك مع التركيز على المجتمع الذي يسعى إلى التعاون والعمل الجماعي والتنوع. إنها مقر لوكالات العلاقات العامة والشركات الناشئة في مجالي التجارة الإلكترونية والتقنية، ومحللي البيانات والوكالات الإبداعية والأعمال التجارية الزراعية وحتى مجموعات حقوق الإنسان. وتبدأ أسعار العضويات الأساسية من 29 دولارًا أمريكيًا في الشهر. وتضيف زينة قائلة: «من الرائع أن نشهد كيف تتعاون الشركات المقيمة والمستأجرون معاً للعمل على المشروع ذاته أو مشروعات عدة. هذا لا يؤدي إلى تضخيم حجم الفرص فقط، بل أيضا يحطم مفهوم المنافسة بين الشركات ويحوله إلى تكامل الشركات». ومع الاعتقاد بأنه لا توجد فرصة أفضل للقاء شريك أو قائد أو موظف أو صاحب عمل محتمل من المشاركة في الأنشطة معا، فإن أنتوورك لديها برامج متعددة تهدف إلى تلبية احتياجات الأفراد ذوي الخلفيات والاهتمامات المختلفة. وقالت زينة: «نستضيف متوسط 15 حدثًا شهريا مثل ورش العمل والمؤتمرات وفعاليات التواصل»، بما في ذلك برامج العناية بالصحة والفن والتقنية والتسويق الرقمي. جميع أنحاء المنطقة هناك العديد من مساحات العمل المشترك الأخرى في المنطقة التي تلعب أدوارًا مشابهة في بلدانها. على سبيل المثال، توفر مساحة العمل المشترك أبسكيل في السعودية مجموعة واسعة من الخدمات التي تهدف إلى مساعدة الشركات الناشئة والشركات الصغيرة، بما في ذلك ذراع للأعمال والاستشارات وقسم الإعلام الرقمي ومسرعة أعمال للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وخدمات بناء العلامة التجارية والتصميم، والمزيد. وفي دولة الإمارات، تُعد مساحة العمل المشترك (ليتس وورك) عبارة عن مجموعة من مساحات العمل المشترك في جميع أنحاء دبي. لكن بدلًا من أن تكون لديها مبانيها أو مساحات العمل الخاصة بها، توفر مساحات عمل في المطاعم والفنادق بجميع أنحاء المدينة. كوجيت هي مساحة عمل مشترك أخرى، هذه المرة في تونس، وتتمتع بمجتمع نابض بالحياة وتوفر مساحات عمل أسعار زهيدة تبلغ 8 دولارات أمريكية فقط لقضاء يوم كامل. يوفر المكان أيضًا حديقة جميلة ومسبحًا؛ وهو ما يجعلها مكانًا هادئًا للاسترخاء وإنجاز بعض الأعمال.
مشاركة :