سنوات من العمر مرت وأنا أقرأ عن الصراع الدامي بين الأب متي المسكين "رئيس دير أبو مقار السابق" والكنيسة الأرثوذكسية، ومع كل أزمة يتطرق إلى ذهني نفس السؤال والذي حتى يومنا هذا بلا إجابة "لماذا" فمن هو المسكين، سوي راهب اعتكف يدرس ويكتب، وإن جاز التعبير فهو مجرد عدد من الكتب، التي يتم عرضها في المكتبات خارج أسوار الكنائس. لم اسمع يومًا أنه قام بعمل مؤتمر دولي أو حتي إقليمي، لم يجمع "المسكين" المسيحيين من حول العالم وأعتلى المنبر يعظهم بتعاليمه اللاهوتية وعظاته الروحية، ولا أخذ يطوف الكنائس معلمًا؛ فلماذا تزعجهم تعاليمه وكتبه والتي مُنعت من العرض داخل أروقة الكنائس في عهد الراحل البابا شنودة الثالث، وبعد ان اعتلى البابا تواضروس الكرسي المرقسي سمح بعرضها في معرض الكتاب القبطي الذي ينظم بالكاتدرائية ولمرة واحدة فقط دخلت كتب المسكين سور الكاتدرائية، وقام حافظي أو من يدعون بأنهم يحمون الإيمان والعقيدة المسيحية ولَم يهدأ لهم بال إلا بعد أن عادت الكتب من حيث ما جاءت.وما أفهمه وتعلمته ودرسناه جميعًا، أن الفكر يقابل بالفكر والحجة بالحجة، فعلى مدار ثلاثون عام يكتب المسكين وتنتشر كتبه ويزداد اتباعه وتلاميذه، فلماذا لم ينجح حماة الإيمان والعقيدة في ضحد أفكاره وتعاليمه -وانا هنا لستُ بصدد مناقشة صحة التعليم من عدمه- فالأمر خرج خارج أُطر الفكر والإيمان والعقيدة، فأصبح "عداوة وكراهية". فأين دين المحبة والبذل والتضحية؟، أين المسيح من هذه الأحاديث والأحداث، من أقامكم علي الإيمان المسيحي حماةً؟، وأي إيمان تحمون، وممن تحموه؟ ومن أين لكم تلك النظرة المتعالية والغرور والكبرياء بمنطق "العلم"، فالمسيح الذي أعرفه وتعلمت من عظاته بالكتب المقدسة كان وديع ومتواضع القلب، أجيبوني علي آي مرآة تنظرون، وآي مقياس تتبعون؟!. وفِي نهاية القصة الحزينة يقتل رئيس دير أبو مقار ما بين قلايته والكنيسة، وأيًا كان القاتل والسيناريوهات المطروحة ففي النهاية "الكراهية" هي القاتل الحقيقي، فإن كان إرهابي يرد شق الكنيسة من الداخل فأنتم من مهدتم له الطريق وأوجدتم أرض المعركة، وإن كان راهب فهو نبتت شجرة "الكراهية" التي زرعتموها. لما يعد يهم من القاتل فالمعركة مستمرة وتتساقط شجرة المحبة ورقة تلو الآخرة، ما بين الشماتة في الموت، وتبادل الاتهامات، وارتداء الذئاب لملابس الحملان. وفِي النهاية قتلك يا أبي ألمني كما ألم الكثيرين، ولكنه كان كاشف لمقابر الكراهية والتي اتخذت من الإيمان والعقيدة غطاء لها، وهذا أشد آلم من آلالام القتل.
مشاركة :