أدى انفراد محافظة تيزي وزو بنتائج امتحانات الباكالوريا إلى إحراج الفاعلين في المنظومة التربوية في الجزائر وفتح باب النقاش على مصراعيه أمام تأويلات كثيرة أرجعها البعض إلى مخطط يروم الدفع بمشروع التعليم الأمازيغي إلى الواجهة، فيما يؤكد معارضون لهذا الطرح أن سرّ النجاح يعود إلى نجاعة القائمين على قطاع التعليم بهذه المحافظة. الجزائر - لا يزال انفراد محافظة تيزي وزو للموسم العاشر على التوالي بنتائج النجاح في شهادة الباكالوريا الجزائرية يثير الجدل والاستفهام في أوساط المختصين وحتى الرأي العام المحلي، ففيما يعتبره البعض نموذجا يتوجب تثمينه وتعميمه على المحافظات الأخرى للنهوض بالمنظومة التربوية في البلاد، يذهب البعض الآخر إلى التشكيك والطعن في مصداقية النتائج ويغمزون ناحية مقاربة تهدف إلى دفع مشروع التعليم الأمازيغي الشامل إلى واجهة منظومة التعليم في الجزائر. وأكدت مصادر مطلعة في الجزائر لـ”العرب” أن تصدّر محافظة تيزي وزو، وهي عاصمة منطقة القبائل، للائحة النجاح في شهادة الباكالوريا ينطوي على عدة مخاطر حول مصداقية الامتحانات وطرق سيرها بما يمكّن العنصر الأمازيغي من التفوق وصناعة نخبة تضطلع بقيادة مستقبل البلاد بغية الوصول إلى فرض التعليم الأمازيغي كثقافة وتاريخ ومشروع مجتمعي. وأضافت “المنطقة تحظى بدلال زائد من طرف السلطة الحالية التي لا تتوانى في مهادنة سكانها لأنها تريد سلما واستقرارا حتى ولو كان مغشوشا أو على حساب جهات أخرى من البلاد، ولذلك صارت رهينة حراك محلي استطاع فرض منطقه على الدولة وتصدر محافظة تيزي وزو لنتائج شهادة الباكالوريا للموسم العاشر على التوالي، هو رسالة غزل لا تعكس حقيقة الشهادة ولا الجهود المبذولة في قطاع التربية”. عبدالرزاق بوكبة: الحكم على نتائج الباكالوريا يكون بعد توفير نفس عوامل النجاح للطلابعبدالرزاق بوكبة: الحكم على نتائج الباكالوريا يكون بعد توفير نفس عوامل النجاح للطلاب ولفتت إلى أن “المنطقة وسكانها يحظون بمفاضلة لافتة من طرف السلطة التي لا تتوانى عن تلبية مطالبها وأكثر، وحتى على حساب جهات أخرى مما كرس جهوية مفضوحة في البلاد، لم تسلم منها حتى نتائج شهادة الباكالوريا”. وذهبت إلى أن كل الفاعلين والقائمين على شؤون القطاع يجمعون على تقديم كل الجهود اللازمة لطلاب الامتحانات من أجل تحقيق التفوق، حتى ولو كان بوسائل غير مشروعة، كالغش والتساهل وحتى تقديم إجابات نموذجية وعندها تصبح العلامات النهائية مجرد تحصيل حاصل. ويذهب المفتش وأستاذ البيداغوجيا في المدرسة العليا للأساتذة رابح الأصقع في تصريح لـ”العرب” إلى أن نتائج شهادة الباكالوريا الجزائرية وتميز محافظة تيزي وزو، هما نتيجة طبيعية وآلية لجهود متضافرة في المجتمع المحلي القبائلي، ولا يتوجب إغفال دور المجتمع المدني ونظام “تاجماعت” (سلطة الجماعة في الحي أو القرية) في إيلاء الأهمية القصوى لمكونات الفعل التربوي من المرفق والنقل والإطعام إلى الطلاب والأساتذة والوسائل. وأضاف “من خلال مهامي التفقدية وعملي الميداني في المؤسسات التربوية لمست العديد من الفوارق المهنية بين مؤسسات المحافظة ومؤسسات المحافظات الأخرى، فالجدية والالتزام بالرسالة التربوية والتعليمية يتم تكريسهما في هذا الميدان، من خلال إبداع متواصل وعمل مستمر، وهناك إجماع لدى الطواقم الإدارية والبيداغوجية والمجتمع على تحقيق الصدارة”. وسرد المتحدث عدة وقائع تكرس إرادة تحويل المؤسسات التربوية إلى أقطاب رسالية كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات الثقافية والعلمية الأخرى، ففي محافظة تيزي وزو تعمل النخب من الطلاب في المرحلة المتوسطة أو الثانوية على صنع وإنتاج الفعل الثقافي والحراك الاجتماعي باستمرار، عكس الاكتفاء بالمناسبات والمظاهر الفلكلورية في محافظات أخرى، وفيها تصنع الملامح الأولى للنخبة والإبداع بمختلف المجالات. وذكر الأصقع أنه “في المدرسة المتوسطة بمولود فرعون في وسط مدينة تيزي وزو، أسندت مهمة وضع مخطط عمراني لإحدى بنايات المؤسسة إلى مهندس كان طالبا فيها، ولأنه أراد رد الجميل لمؤسسته الأولى، فقد وضع تصميما معماريا إبداعيا فريدا، يرمز إلى مولود فرعون كمؤسسة تربوية وشخصية رمزية في الجزائر ومنطقة القبائل، عاش مناضلا وأديبا لأجل الهوية الأمازيغية”. وتابع “في مؤسسة أخرى، قادني مديرها إلى معاينة معرض تحسيسي لمحاربة المخدرات والآفات الاجتماعية، فاعتقدت كما جرت عليه العادة أن يكون في إحدى الصالات، إلا أنني وجدت المعرض بدورات المياه، لأن إدارة المؤسسة أرادت أن تخاطب الطلاب خارج المعهد، وفي المكان الذي يختلون فيه بأنفسهم لقضاء حاجاتهم وللتدخين وأشياء الأخرى، من أجل مخاطبة ضمائرهم في صمت، وتحقيق مغزى الحملة التحسيسية”. وفي نفس السياق ذهب الإعلامي والروائي عبدالرزاق بوكبة، بشأن الجدل المثار حول نتائج شهادة البكالوريا بمحافظة تيزي وزو، إلى القول “لن أنخرط في مسعى التشكيك بكون ولاية تيزي وزو جديرة بالمرتبة الأولى في نسبة النجاح في شهادة الباكالوريا منذ سنوات طويلة، خوفا من الوقوع في التجني المجاني في ظل افتقادي لحقائق ووثائق دارسة ومدروسة”. رابح الأصقع: النتائج تجسيد لروح المبادرة التي فتحتها وزارة التربية عبر منشور رسميرابح الأصقع: النتائج تجسيد لروح المبادرة التي فتحتها وزارة التربية عبر منشور رسمي ودعا في أحد أعمدته الموسومة بـ”فنجان ساخن” وزارة التربية إلى دراسة العوامل الموضوعية التي أدت بهذه الولاية إلى الصدارة الوطنية في هذا الاستحقاق التربوي، ثم إلى العمل على توفيرها بالولايات السبع والأربعين الأخرى ليصبح التفوق معمما. وقال “إذا كان الطالب الجزائري في تيزي وزو قادرا على تحقيق هذا التفوق اللافت للانتباه رغم المنظومة التربوية المعرّبة، وهو المتكلم والمفكر والحالم بالأمازيغية، فإن إمكانية أن يتفوق نظيره أيضا في الولايات الناطقة بالعربية تصبح قائمة جدّا إذا توفرت له العوامل نفسها”. وتساءل عما إذا كان الأمر يتعلق بجدية الهيئة المديرة للمؤسسات التربوية في تيزي وزو أم بجودة هيئة التدريس أم بحسن الخدمات المدرسية أم بهذه العوامل مجتمعة، فما المانع إذن من تعميمها وطنيا حتى نحقق ما يمكن أن نسميها بـ”العدالة التربوية”؟ وأشار إلى أنه “إذا كان الأمر يتعلق بطبيعة المجتمع المدني في الولاية، ولا أقول المنطقة لأن بجاية والبويرة لا تحظيان بالنتائج نفسها، حيث منظومة أولياء التلاميذ في تيزي وزو، تختلف من حيث حرصها ومواكبتها ومتابعتها ومراقبتها ومرافقتها، فتصبح مواجهة بقية الولايات بهذه الحقيقة أمرا واجبا، حتى تتحمل مسؤوليتها”. وأكد أن “التعتيم الذي تمارسه وزارة التربية في تبرير عوامل الاحتفاظ بالصدارة، عوض أن يخلق روح التنافس بين ولايات الجمهورية، فإنه سيخلق روح التباغض، فتطفو على السطح التهم بالغش والانحياز والعنصرية، خاصة وأن الأمر يتعلق بجيل سيتولى مستقبلنا، ولا ينبغي أن نفخخ هذا المستقبل مسبقا، مثلما فعلنا مع حاضرنا، الذي كان مستقبلا عام 1962”. وفي تحذير مبطن حذر مما أسماه بـ”الخيانة ليست أن نبيع البلاد للأجنبي فقط، بل هي أيضا أن نشتري السلم الاجتماعي المؤقت، على حساب الرهانات الوطنية الدائمة”، في إشارة إلى التلاعب بالشهادات من أجل أغراض ربحية. ويرى المفتش والأستاذ الجامعي رابح الأصقع أن “هذه النتائج هي تحصيل إجماع الفاعلين والمجتمع بالمحافظة، وهي تجسيد لروح المبادرة التي فتحتها وزارة التربية عبر منشور رسمي لما يعرف بالنشاط الصفي واللاصفي، من أجل خلق تكامل بين أطراف المعادلة التربوية وتنمية القدرات الإبداعية للطلاب وتفجير طاقاتهم الكامنة، فليس غريبا أن تجد صالة أو مرفقا بمؤسسة ما في هذه المحافظة تحمل اسم طالب أو أستاذ وحتى حاجب، تكريما له على جهد أو إبداع، بفضل مبادرة الطواقم المديرة والمسيرة، ما يكرس روح المبادرة المفقودة في الكثير من المحافظات”.
مشاركة :