على صعيد الدعم المطلوب توفيره للدول النامية، لمواجهة تداعيات الاحتباس الحراري، نص الاتفاق الطوعي، الذي أبرم عام 2009 في قمة كوبنهاغن، على ضرورة توفير الدعم من مصادر متعددة واسعة، بما في ذلك المال العام والخاص، والتمويل الثنائي والمتعدد الأطراف، وموارد تمويل أخرى بديلة. وينص الاتفاق على تقديم هذا الدعم، دون أن يلزم الدول المتقدمة بخفض شامل لمعدلات انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري. وتعهد اجتماع دولي ضم 30 دولة في برلين، في تشرين الثاني نوفمبر 2014، بتقديم منح قيمتها 9.3 مليارات دولار لصالح صندوق المناخ، بهدف مساعدة الدول النامية في خفض انبعاثاتها الحرارية والاستعداد لتغير المناخ. وبذلك اقترب الصندوق الأخضر للمناخ، التابع للأمم المتحدة، من هدف الحصول على نحو 10 مليارات دولار بنهاية العام 2014. ويهدف الصندوق، ومقره كوريا الجنوبية، إلى مساعدة الدول النامية في الاستثمار في الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء، والعمل على بناء حواجز دفاعية تقاوم ارتفاع منسوب مياه البحار والرياح العاتية والفيضانات والجفاف. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد أعلن في 23 أيلول سبتمبر 2014، في ختام قمة نيويورك الخاصة بالمناخ، أن الصندوق الأخضر جمع 2.3 مليار دولار كوعود تمويل. وقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم ثلاثة مليارات دولار، تليها اليابان التي ب 1.5 مليار دولار، في حين تعهدت بريطانيا وألمانيا وفرنسا بتقديم نحو مليار دولار لكل منها، وتعهدت السويد بتقديم ما يزيد على 500 مليون دولار. وتعهدت عدد من الدول بتقديم مبالغ أصغر، من بينها سويسرا وكوريا الجنوبية وهولندا والدنمارك والنرويج والمكسيك ولوكسمبورج وجمهورية التشيك. وكانت قمة نيويورك أكبر قمة عالية المستوى بشأن المناخ منذ العام 2009. وهدفت إلى تشجيع 120 دولة عضوا على توقيع اتفاقية عالمية جديدة في محادثات باريس نهاية العام 2015. واتفق المشاركون في القمة على التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، وتقديم مليارات الدولارات لمساعدة الدول النامية، في إطار جهود لزيادة فرص التوصل لاتفاق واسع النطاق للحد من الاحتباس الحراري. ووضعت القمة، التي استغرقت يوماً واحداً، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، أهدافها بوقف زوال الغابات الاستوائية بحلول 2030، وتحسين إنتاج الغذاء، وزيادة حصة السيارات الكهربائية بالمدن إلى 30% من السيارات الجديدة المطروحة للبيع بحلول 2030. تعهدات بخفض انبعاثات الكربون وحددت الصين والولايات المتحدة أهدافاً جديدة لانبعاثاتهما، في محاولة لإحياء التحرك ضد الاحتباس الحراري قبل انعقاد اجتماع باريس. ووصف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اتفاق الدولتين على تحديد أهداف جديدة على صعيد انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس بأنه "اتفاق تاريخي ومحطة مهمة في العلاقة الأميركية الصينية". وعرض أوباما أمام القمة بياناً عدد فيه لائحة من الالتزامات الأميركية السابقة والجديدة، وتحدث عن ضرورة بناء ميثاق سياسي من أجل اتفاقية دولية للمناخ عام 2015. وقال الرئيس أوباما إن التغيّر المناخي يتحرك بسرعة أكبر من الجهود المبذولة لمعالجته، وإن هناك مسؤولية على الصين والولايات المتحدة لقيادة الدول الأخرى في هذا المجال. وتهدف الولايات المتحدة إلى خفض قدره 17% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى قبل حلول العام 2020 مع اعتبار عام 2005 أساساً لذلك. من ناحيتها، تعهدت الصين للمرة الأولى بأنها ستتخذ إجراءات صارمة بشأن التغيّر المناخي. وقالت إن انبعاثاتها، الأعلى في العالم، ستصل إلى ذروتها قريباً. وقال نائب رئيس الوزراء الصيني، تشانغ قاو لي، إن الصين ستجعل اقتصادها أكثر كفاءة من حيث انبعاثات غاز الكربون بحلول العام 2020. وتستهدف الصين، بحلول عام 2020، خفض انبعاثاتها من الكربون لكل وحدة من إجمالي الناتج المحلي بواقع 45%، مقارنة بمستويات عام 2005. وبدوره، أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن بلاده ستزيد من نسبة استخدام الطاقات المتجددة إلى 20% حتى عام 2030. وهي المرة الأولى التي تلتزم فيها الصين بتحديد سقف لانبعاثاتها. وبعد التاريخ المحدد، سوف يتراجع معدل الانبعاثات ويسلك خطاً معاكساً. على الصعيد الأوروبي، اقترحت المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء، في كانون الثاني يناير 2014، العمل على خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون إلى 40% بحلول العام 2030، مقارنة مع مستويات عام 1990، من أجل الحفاظ على الريادة الأوروبية على المستوى العالمي في مجال مكافحة التغير المناخي. كذلك، دعت المفوضية إلى رفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 27% من مجموع الطاقة المستعملة في الاتحاد الأوروبي بحلول العام 2030. وتسعى المفوضية من خلال هذه التدابير إلى التأكيد على تنفيذ الأهداف الثلاثية الإلزامية للاتحاد الأوروبي لعام 2020، المتعلقة بخفض انبعاثات الغازات السامة بنسبة 20% واستعمال حصة تصل إلى 20% من مصادر الطاقة المتجددة والعمل على تقليص استعمال الطاقة بنسبة 20%. ويقول الخبراء إن الأزمة المالية التي شهدها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة أثرت على برامج مكافحة التغيّر المناخي، وأدت إلى زيادة الضغط على تحقيق الأهداف المتعلقة بخفض انبعاث الغازات السامة، ورفع نسبة استعمال الطاقة المتجددة، خاصة في قطاع الصناعة. الدول المعرضة للفيضانات وسوف يتسبب التغيّر المناخي بحدوث فيضانات في العديد من مناطق العالم، يقابلها جفاف في بعضها الآخر، إلى جانب موجات حر شديدة ونقص في المواد الغذائية في دول أخرى. وتعد أستراليا إحدى تلك الدول التي تحيط الشكوك بتأثير التغيرات المناخية عليها. أما مشاكل قارة آسيا فترتبط بالمياه، حيث ستنال القارة الكثير من المياه والقليل جداً في الوقت ذاته، فمنطقتا جنوب وغرب آسيا قد تغرقان بالمياه، في حين أن بقية آسيا لن يكون لديها ما يكفي من المياه لزراعة المحاصيل. أما أميركا الشمالية فسيكون عليها التأقلم مع ارتفاع منسوب مياه البحر، وزيادة معدل الأمطار واحتمالية أن تواجه مناطق مثل نيويورك فيضانات بشكل دائم. وسيكون هذا على نقيض أميركا الجنوبية التي ستعاني من نقص في المياه وانخفاض في معدل هطول الأمطار. بدورها تواجه أفريقيا مصيراً غير مؤكد، لكن الفيضانات والجفاف أمران يتوقع أن يؤثرا على المحاصيل والثروة الحيوانية، مما سيتسبب بمزيد من نقص الغذاء في القارة. وسيصيب جنوب أوروبا الضرر الأكبر من التغير المناخي بحلول العام 2050، حيث ستجتاح المنطقة أمواج حر شديد. ويقول تقرير للوكالة الأوروبية للبيئة إن درجة حرارة أوروبا ارتفعت أكثر من المتوسط العالمي، وإن متوسط درجات الحرارة الحالي ارتفع 1.3 درجة مئوية مقارنة بمتوسطها بالفترة بين عامي 1850 و1899. تداعيات على الصحة والغذاء ويشير المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، كانديه يومكيلا، أن تلوث الهواء يقتل أعداداً من البشر تفوق عدد ضحايا مرضى الإيدز والملاريا مجتمعين. ويقترح يومكيلا أن تتضمن أهداف الأمم المتحدة للمناخ لعام 2030 تخفيض عدد الوفيات الناتجة عن التلوث داخل المباني وخارجها إلى النصف. وقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2012 بأن 3.5 ملايين شخص يتوفون سنوياً جراء تلوث الهواء داخل المباني، و3.3 ملايين جراء تلوث الهواء الخارجي. وقد تؤدي الجزئيات السامة إلى الوفاة نتيجة في الإصابة بأمراض مثل الالتهاب الرئوي أو السرطان. من جهة أخرى، أشار باحثون إلى أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو له تأثيرات سلبية على المكونات الغذائية لبعض أهم المحاصيل الزراعية في العالم. وتوصل العلماء إلى هذه النتائج في دراسة نشرتها في دورية "نيتشر"، في أيار مايو 2014، بعد قيامهم بزراعة أربعين نوعاً من ستة حبوب وبقوليات، تشمل الذرة والذرة الرفيعة، في اليابان وأستراليا والولايات المتحدة، مع تركيز عال من ثاني أكسيد الكربون بمستوى يتوقع أن تصله الأرض عام 2050، وهو 550 جزءاً لكل مليون. وأعلن فريق البحث أن اثنين من المكونات الغذائية، وهما الزنك والحديد، وُجدا أقلَّ في القمح والأرز وفول الصويا والبازيلاء. وقال أستاذ بيولوجيا النباتات في جامعة إلينوي، أندرو ليكي: هذا أمر مهم لأن نحو ملياري شخص في مختلف أنحاء العالم يحصلون على معظم هذين العنصرين الغذائيين (الزنك والحديد) من خلال تناول منتجات المحاصيل. وبحسب الدراسة، فإن هذه النتائج تشير إلى واحد من التهديدات الصحية الرئيسية التي اتضح أنها مرتبطة بالتغيّر المناخي. ويؤثر نقص الزنك على جهاز المناعة ويجعل الناس أكثر عرضة للوفاة المبكرة، نتيجة لأمراض كالملاريا والالتهاب الرئوي والإسهال، في حين يؤدي نقص الحديد إلى فقر الدم وارتفاع نسب الوفاة أثناء الولادة، وتراجع معدل الذكاء والإنتاجية في العمل.
مشاركة :