«الوعي» دائما حصين للإنسان، يجعل كل أفكاره ومفاهيمه متوازنة وواقعية، ما يؤثر على تصرفاته وأفعاله بشكل تلقائي. «الوعي» ليس فقط أن تقرأ كتابا، ولا أن تحصل على معلومات كثيرة، «الوعي» أن تطبق كل ما تعلمته حقيقة على أرض الواقع. عندما نقرأ ونطّلع تتوسع مداركنا ونفهم أنفسنا أكثر ونتعلم كيف نتعامل مع الآخرين برقي واحترام، وألا نصدر الأحكام جزافا حتى لو لم يعجبنا هؤلاء، لأن «الوعي» يربي فينا احترام الاختلافات ووجهات النظر، فما أشاهده جميلاً يشاهده غيري غير جميلاً، وما نطلق عليه اليوم حقيقة ربما غدا يكون غير ذلك. «الوعي» مدرسة كبيرة يتعلمها الفرد من التجارب والخبرة والدراسة والاطلاع والثقافة، فهي لا تنحصر على شيء معين، بل يكمن «الوعي» في معرفة العمق والمعنى الحقيقي منه، وهو كيف تعيش في سلام مع ذاتك ومع الآخرين ومع هذه الأرض الكريمة التي أعطت الإنسان المأوى والخيرات المتعددة. لذا، تجد «الوعي» لا ينحصر فقط على أصحاب الشهادات، بل ربما تجد إنسانا بسيطا جدا لكنه «واع» يدرك المعنى الإنساني في الحياة، وهو العيش مع الكل في سلام ومحبة وعطاء، هذا لا تعلّمه الجامعات فقط، بل تجارب الحياة وقصص الأفراد من حولنا تعلمنا معنى الاحترام للمختلف عنا في طبعه أو كلامه أو تصرفاته أو حتى معتقداته طالما لم يؤذي الآخر. يتصرف بعض الأفراد بالسطحية والسخرية على بعضهم بسبب أو من دون سبب، حتى لو لم يعجبهم ذلك لا يحق السخرية على غيرهم، حرية التعبير موكلة للجميع لكن بأدب واحترام، وللأسف تجد بعض الشخصيات تقوم ببث نص أو كلام أو عبارة جارحة تهين أحد الأشخاص بحق أو من دون حق، ثم تجد قطيعا كبيرا من المجتمع يتسابق لأن يدلو دلوه بالمزيد من تفاهة الكلمة وبشاعة السخرية من دون مراعاة واحترام هذا الشخص، على رغم أنه لم يخطئ على أحد. هنا بالذات جعلني أتساءل؛ أين الخلل بأن يتحرك مجتمع كامل في السخرية من فرد لم يخطئ؟ ولماذا هذه السرعة في تبني مثل هذه الحركات السطحية في السخرية والنقد اللاذع للأخر؟ لمَ لمْ يقفوا قليلاً ليتأملوا ويتفكروا قبل إصدار الأحكام؟ لماذا أجروا عقولهم للآخرين حتى يتلاعبوا بهم كما يشاؤون؟ لم ردود أفعالهم وغضبهم وانفعالاتهم سريعة وكأنها لم تصدق حدوث أي شيء لكي تتم عملية إفراغ هذا الغضب الداخلي؟ يجعلنا نتأمل مدى الفراغ النفسي والثقافي لديهم، وافتقاد حقيقة «الوعي» الصحيح، ما جعلهم يتلاطمون كالأمواج على بعض وهذا شيء مقلق بأن تكون حصيلة أغلبية المجتمع يتمتع بتلك السطحية، وأنها تمتلك عقلا لا يفكر ولا يحلل إلا في السلبيات أو إصدار الأحكام، والأخطر أنه خاضع للآخرين المسيطرين من دون وعي، ما يجعل أي إشاعة أو نكتة أو موقف سلبي يكررونه بسرعة وتكون ردود أفعالهم أسرع من دون تفكير، والمشكلة أن خلف ذلك عدم وجود «الوعي» بالذات وقيمتها. لذا، النظر للآخر دائما ما يكون مترصدا فقط للسلبيات وكأنه إلغاء عامل مهم في الحياة وهو السلام المحب للآخر، وهذا ما تنادي به كل الأديان (عدم السخرية والهمز واللمز)، والإسلام علمنا إفشاء السلام لمن نعرف ولمن لا نعرف، فهل هؤلاء يدركون معنى كلمة السلام، أم أخذوا منها فقط التحية؟ Haifasafouq@
مشاركة :