مؤتمر حركة التوحيد والإصلاح المغربية الذي ينعقد اليوم ويستمر إلى 5 أغسطس الجاري، سيشهد انتخاب قيادة جديدة ومناقشة بعض التعديلات، لكن السجال الأكبر الذي ينتظره المراقبون هو التداخل بين الحركة وحزب العدالة والتنمية، وما مدى إمكانية الفصل بين الدعوي والسياسي في ظل استمرار التنسيق التام بين الكتلتين رغم القول بأن كلاّ منهما تتمتع باستقلالية قانونية وفعلية الرباط – مؤتمر حركة التوحيد والإصلاح الذي سيستمر من 3 إلى 5 أغسطس الجاري، سيشهد انتخاب قيادة جديدة، بالإضافة إلى المصادقة على صيغة جديدة لميثاق الحركة، ومناقشة التعديلات على الميثاق الذي أعدَّ منذ عشرين سنة، والذي سيشهد بعض المراجعات المتعلقة ببنيته وعدد من مضامينه، تتعلق بطريقة الانتخاب ومساطر التداول. وتم تطعيم حزب العدالة والتنمية بالكثير من أعضاء حركة التوحيد والإصلاح وضمنها كفاءات كبيرة، بما يعني أن توحد الرؤى والشراكة بين التنظيمين الدعوي والسياسي لازالت طاغية، والواضح حسب مراقبين أن الحسم في العلاقة المتداخلة بينهما لن يكون بشكل مطلق في المؤتمر الحالي. ومن المؤكد حسب عبدالرحيم شيخي، رئيس التوحيد والإصلاح، أن العلاقة بين السياسي والدعوي ستكون حاضرة عند إعداد ومناقشة المخطط الاستراتيجي المقبل في مرحلة 2018-2022، والمطلوب هو أن تراجع هذه القضية من أجل الوصول فيها إلى حلول أو صيغ كفيلة بأن لا تؤثر على الحركة ولا على الحزب. وكانت الحركة قد أصدرت في العام 1998 ورقة حول “علاقة الحزب بالحركة” أكدت فيها أن “كلا من حركة التوحيد والإصلاح وحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (الذي سيصبح في ما بعد حزب العدالة والتنمية) هيئة مستقلة عن الأخرى استقلالا قانونيا وفعليا، وليس لأي منهما وصاية على الأخرى، ويجمعهما التشاور والتعاون والتنسيق”. وقال عبدالرحيم شيخي، أنه لا يمكن واقعيا تصور عدم وجود أي تداخل بين ما هو دعوي وما هو سياسي، أو بين ما هو مدني وسياسي، ونحن نسعى في نقاشنا بشأن مستقبل الحركة إلى أن تكون الأمور أوضح، من خلال مراجعة هوية الحركة وأدوارها ومجالات عملها في المراحل اللاحقة، وترسيخ التمايز بين ما هو سياسي وحزبي، وليس ما له صلة بالشأن العام. وبالعودة إلى الأدبيات التاريخية لحزب العدالة والتنمية، نجده حسب ما قال أمين السعيد، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، لـ”العرب”، إنه يبدع مقارنة بالأحزاب المماثلة له في العالم العربي بالتوفيق بين العمل السياسي والمجال الدعوي. ومنذ سنة 2003 تعرض حزب العدالة والتنمية لمجموعة من التمارين والاختبارات المتتالية التي وضعته في محك الحسم بين توجه الحركة وتصوره السياسي، غير أن هذا الفصل محاط بحدود غير مرسومة تضيق وتتسع حسب الظروف والسياقات. وأضاف السعيد أن كل ذلك خلق عبئا على قيادة الحزب وجعلها في وضعية المتهم باستغلال الدين تكتيكيا في مناسبات معينة، وأعتقد أن حزب العدالة والتنمية مطالب بتقديم جواب قانوني قاطع قصد الفصل العضوي بين عضوية الحزب وعضوية الحركة، الشيء الذي سيخفف من حالة التداخل والتضارب في المواقف، وسيعكس استقلالية واسعة لتصور الحزب في علاقته مع الدولة وباقي الفاعلين. تخلي حركة التوحيد والإصلاح عن السياسة قد يحقق التمايز على المستوى العملي وليس فقط على مستوى الشعارات وفي الوقت الذي أكد فيه شيخي أن علاقة الحركة وحزب العدالة والتنمية، هي علاقة شراكة استراتيجية، ولحد الآن هي مستمرة، أشار أمين عام العدالة والتنمية سعدالدين العثماني أن هناك استقلالية تامة للمؤسسات المسؤولة عن الحزب عن المؤسسات المسؤولة عن الحركة، في إطار الشراكة بين الهيئتين، وهي شراكة تتميز بانتفاء تبعية أي منهما على الآخر أو الهيمنة عليه، مع الالتقاء العام في خدمة المشروع الإصلاحي للمجتمع واعتماد الحركة لحزب العدالة والتنمية إطارا للعمل السياسي لأعضائها. ونشأت حركة التوحيد والإصلاح في أواسط سبعينات القرن العشرين من خلال الفعاليات التي كانت تقيمها مجموعة من الجمعيات الإسلامية، تحققت الوحدة وفي 31 أغسطس 1996 تحققت الوحدة الاندماجية بين حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي لتولد رسميا الحركة باسمها وصيغتها الحاليين. وينتظر أن تطرح الحركة تعديلات الميثاق للمصادقة عليها بمؤتمرها العام في أغسطس المقبل. ولاحظ متابعون أنه عندما يظهر أنّ هناك تداخلا في المهام بين قيادات الحركة والحزب يتم تبرير ذلك بأن وجود تلك القيادات إنما بصفتهم الشخصية وليس الدعوية وأن قرارات الحركة لا تسري بالضرورة على مهام الحزب السياسية والتنظيمية، وهذا ما تختلف معه عدة قراءات. وهنا يقول عبدالرحيم منار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أنه بعد سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم لم يستطع وضع المسافة مع التوحيد والإصلاح كحركة دعوية، فالحزب ما زال يعتبر الحركة بمثابة “الأم”. ذلك، يبدو حزب العدالة والتنمية، كما يرى اسليمي، وهو على منصة الحكم، مدعوما بحركة دعوية دينية موازية داخل دولة فيها حقل ديني رسمي بمؤسساته وعلمائه، يقوم على أساس إمارة المؤمنين وله وحدة العقيدة والمذهب؛ فحزب العدالة والتنمية لم يبادر، بالرغم من كل هذه السنوات، إلى تقديم إشارات بإحداث قطيعة مع الحركة الدعوية. واعتبر محمد جبرون، الباحث في الفكر السياسي الإسلامي، وأستاذ التاريخ بجامعة عبدالملك السعدي، تخلي حركة التوحيد والإصلاح عن السياسة قد يحقق التمايز بين الدعوي والسياسي على المستوى العملي وليس فقط على مستوى الشعارات، كون العلاقة بين هذه الثنائية تتميز بالتداخل، موضحا أن التداخل بين الدعوي والسياسي برز في الشراكة الاستراتيجية المعلنة بين الحركة والحزب، والتي كانت الحركة بموجبها تدعم الحزب في الحملات الانتخابية. فيما اعتبر رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن قيادات حزب العدالة والتنمية تبذل مجهودا كبيرا ليس للفصل بين الدعوي والسياسي، لكن لاحتواء الدعوي واستعماله داخل الحزب السياسي، وهو الاحتواء الذي لم ينجح إلى حد الآن، فعبدالإله بن كيران، لم ينجح في اختراق الحركة وترويضها، كما يُعتقد عن طريق قيادة الشيخي، ولكن الحركة مقبلة على ابتلاع الحزب السياسي. ويحدد ميثاق حركة التوحيد والإصلاح كوثيقة تحدد أهدافها وبرامجها، “المجال السياسي” ضمن 10 مجالات للعمل هي: “الدعوة الفردية” و”الدعوة العامة” و”العمل الثقافي والفكري” و”العمل العلمي التعليمي” و”المجال التربوي والتكويني” و”الاجتماعي والخيري” و”المجال السياسي” و”المجال النقابي” و”المجال الإعلامي” و”المجال الاقتصادي”. وطرحت فكرة إمكانية انتخاب عبدالإله بن كيران خلال المؤتمر العام لـ”التوحيد والإصلاح” رئيسا لها، باعتباره عضو بمجلس شورى الحركة وعضو بمؤتمرها، ووفقا للقوانين الداخلية يمكن أن يتم ترشيحه من قبل مؤتمرها العام. وفي هذا الصدد، أثار عبدالرحيم شيخي، إمكانية شغل بن كيران لرئاسة الحركة لكن دون الحسم في ذلك، حيث قال “نعم ممكن، بن كيران عضو في التوحيد والإصلاح، وإذا اختار الجمع العام اسمه بين الخمسة المرشحين، قد يصبح رقم واحد في الحركة”. ومعلوم أن الحركة تدعم العدالة والتنمية في الانتخابات سواء محلية أو تشريعية، وبالتالي يصعب على المستوى المتوسط إبراز خطوط التمايز بين التنظيمين رغم أن شيخي شدد على أن على الحركة التركيز على وظائفها الأساسية، وهي الدعوة والتربية والتكوين، وبعض مجالات عملها الاستراتيجية، مع الحضور في المجال المدني بمقاربة إيجابية يؤطرها التعاون والتشارك وعدم الاستدراج للمعارك السياسية والإيديولوجية الاستفزازية. وقال سعدالدين العثماني، إن التمايز الوظيفي بين حركة التوحيد والإصلاح باعتبارها هيئة دعوية مدنية وبين حزب العدالة والتنمية باعتباره هيئة سياسية تشتغل في مجال الشأن العام، كان جزءا من تحولات متنوعة، فكرية وتنظيمية وسياسية، عرفتها الحركة، ولم يكن إجراء معزولا. واعتبر شيخي أن الإشكال المطروح على المستوى العملي، هو من حيث التمايز بين ما هو دعوي/حركي وبين ما هو سياسي/ حزبي، فالهيئتان المعنيتان مستقلتان سواء في الاختيارات أو القرارات أو في التمويل ويبقى تدبير حالات التداخل والعضوية المشتركة لبعض المسؤولين في الهيئات المسيرة يعالج بمسألة التنافي بين المسؤوليات. ولم يعد هناك مبرر للخلط بين الدعوي والسياسي، حسب محمد جبرون، موضحا أن دولة العاهل المغربي الملك محمد السادس أعادت بناء علاقتها بالدين من خلال إمارة المؤمنين ومؤسساتها الأخرى وتقدم نفسها على أنها دولة إسلامية تقوم بوظائف الدين، وهذا ما كانت تدعو إليه الحركة الإسلامية منذ زمان، أي أن يكون الدين مرجعية للدولة ومن أعلى سلطة في البلد.
مشاركة :