يعاني «تاج محل»، الذي يعد أهم وأبرز معلم أثري في الهند، من تآكل كبير في بنيته. وقد بدأ لون الرخام يتغير، وهو الذي كان يوما ما أبيض ناصعا مثل لون اللآلئ، داخل الموقع الأثري المدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، الذي يعود تاريخه إلى أربعمائة عام مضت، وبدأت المآذن والقباب تتداعى، والقشرة الخارجية للأسطح تزول. بدأت أعجوبة القرن السابع عشر، ورمز الحب في مدينة أغرا الهندية، يكتسي باللون الأصفر بمرور السنوات، وبدأ لون الأثر يتحول إلى الأخضر والأسود. وتعبيرا عن القلق والإحباط من تدهور حالة «تاج محل» وفشل الحكومة الهندية في الحفاظ عليه وحمايته، ذكرت المحكمة العليا الهندية مؤخرا في تصريح غاضب لاذع أن على الحكومة هدم هذا المبنى الأيقوني أو ترميمه. وقالت المحكمة: «يبدو أنه ليس لديكم خبرة أو لديكم، لكن لا تريدون استغلالها، أو لا تهتمون به (تاج محل). تبدون في منتهى العجز وقلة الحيلة. لا ينبغي أن يكون المال مشكلة، نحن بحاجة إلى إنقاذه». ويعد «تاج محل» جوهرة الفن الإسلامي في الهند، وأحد أعمال التراث الإنساني العالمي المميزة التي تحظى بإعجاب العالم. وخلال السنوات القليلة الماضية تم استخدام عدة طرق، منها عجينة طينية، لإزالة البقع الموجودة على الرخام. مع ذلك لا يبدو أن هذه الطريقة قد نجحت في وقف تدهور حالته. وقد أمر الإمبراطور المغولي شاه جهان ببناء «تاج محل» تخليدا لذكرى زوجته المفضلة ممتاز محل واستمرت عملية بنائه منذ عام 1631 حتى 1648. تقول المؤرخة الفنية إيبا كوك، مؤلفة كتاب «تاج محل الكامل»، إن الرخام الأبيض قادر على نقل وتكسير شعاع الضوء، لذا يتفاعل بشكل مختلف مع الأحوال الجوية المتباينة لأوقات اليوم، حيث يظهر الأثر باللون الزهري أثناء ساعات النهار، واللون الأبيض الناصع وقت الظهيرة، واللون البرتقالي الذهبي في المساء، وبدرجة أخرى من اللون الأبيض ليلا. وقد شارك في عملية بنائه أفضل البنّائين، وقاطعي الحجارة، والعمال لوضع الطبقات الداخلية، والنحاتين، والرسامين، والخطاطين، ومشيدي القباب، وغيرهم من الفنانين الذين أحضرهم شاه جهان ليس فقط من داخل إمبراطوريته، بل من وسط آسيا وإيران. كان جمال الأثر مبهرا بعد الانتهاء من بنائه إلى حد جعل الإمبراطور يأمر بقطع أيدي الفنانين لمنعهم من تكرار بناء ضريح على هذا القدر من الجمال في مكان آخر بحسب ما تذكره الأسطورة. من أبرز علامات تدهور وضع الأثر هو تغير لون السطح الرخامي للضريح الرئيسي، حيث أصبح السطح الخارجي الأبيض حائل اللون ولو جزئياً، وتغير لونه إلى درجات من اللون الأصفر، والمائل إلى البني، والأسود والأخضر. ويمثل نهر يمونه القريب مشكلة أيضاً، فبالرغم من أن الإمبراطور المغولي بابر قد امتدح مياهه ذات يوم، وقال: إنها «ألذ من الرحيق»، فقد أصبح النهر مليئا بالمخلفات السائلة، حيث يتم إلقاء ملايين الغالونات من مخلفات الصرف الصحي غير المعالجة في النهر دون أي رقابة. يقول خبراء البيئة إن لون رخام المكان قد تغير إلى الأصفر بسبب الضباب الدخاني في المنطقة. أما البقع الخضراء التي ظهرت على الرخام فهي أكثر ما يقلق المرء على وضع الأثر، حيث يرى الأستاذ غيريش ماهيشواري، رئيس قسم علم الحشرات في «سانت جونز كوليدج» بأغرا، وفريقه أن تلك البقع نتيجة هاموش صغير الحجم لا يعضّ. وتظهر ملايين الذكور والإناث من ذلك الهاموش من النهر، وقبل موته يترك فضلاته ذات اللون الأخضر الناتجة عن تناوله الكلوروفيل غير المهضوم جيدا الذي يحصل عليه من الطحالب الموجودة في النهر الملّوث بشدة، وهذا هو سبب ظهور تلك البقع الخضراء على رخام تاج محل. ما لا يعرفه كثيرون أن نهر يمونه يشكل جزءا لا يتجزأ من معمار تاج محل حيث يوجد أساس الأثر على بعد عميق أسفل قاع النهر، فهل ينهار الضريح إذا انتهت حياة النهر؟ إضافة إلى ذلك، تعد مدينة أغرا ثامن أكثر مدينة تلوثا على مستوى العالم من حيث ملوثات الهواء من المواد الجسيمية، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية. يمكن القول إن مبنى تاج محل يتداعى، حيث انهار مؤخرا عمود معدني ارتفاعه 12 قدما عند بوابة «دروزة إيه روزا» الملكية، التي تمثل أول إطلالة بالنسبة للزائرين على الأثر، بفعل عاصفة رعدية. كذلك سقطت ثريا ارتفاعها 4 أقدام داخل الأثر على الأرض. وانكسرت منحوتات اللازورد، وتتواجد أجزاء جديدة من القطع الرخامية بشكل قبيح إلى جوار الحجر الأصلي. يقول كريشنا مينون، المعماري والناشط البيئي: «المشكلات التي يواجهها تاج محل معقدة للغاية، لكن ربما قد واجهت آثار مثل كنيسة السيستين في روما، أو الأهرام في مصر، أو الأكروبوليس في أثينا مثل تلك المشكلات أيضاً. فلنستكشف ونتعلم من العالم بحيث يمكننا ترك الأثر للجيل القادم كما وجدناه نحن». وتوجد محاولات متواصلة لتنظيف تاج محل باستخدام مزيج من الطين أو الصلصال، والجير، حيث يتم وضع هذا المزيج على شكل طبقات إلى أن يصبح عمقه بوصة، ثم يترك ليجف لمدة 24 ساعة، ثم يزال بماء مقطّر لمقاومة آثار تلوث الهواء على الرخام التي تؤدي إلى تآكله. مع ذلك تم توجيه انتقادات إلى تلك الطريقة، حيث يرى المنتقدون أن تكرار تنظيف الأثر يؤدي إلى فقدانه لمعانه وبريقه، كذلك قد تتسبب السقالات، التي يتم تشييدها لوضع تلك التركيبة على الرخام، في الإضرار ببنية الأثر. على الجانب الآخر يرى المؤرخ رام ناث الثمانيني، الذي يعد مرجعا في فن وعمارة المغول، أن ذلك المزيج قد يؤدي إلى زيادة اصفرار الرخام، حيث يوضح أن الصلصال أو الطين عامل مبيض، وهو يغير اللون الأصلي للرخام. كذلك أوضح أن ذلك الخليط من المكونات المحلية التي تستخدم تقليديا في الهند لقرون كعلاج دائم، وتفتح المسام، يجعل الرخام أكثر عرضة للمخاطر البيئية. بعد الهجوم الحاد اللاذع، الذي شنّته المحكمة العليا على الحكومة، تقدمت الحكومة للمحكمة بخطة لترميم «تاج محل» على مدى 100 عام. تتضمن الخطة إغلاق مزيد من الأماكن الصناعية القريبة من مبنى الأثر، وتنظيف نهر يمونه ومنع تصريف مواد ملوثة به، وإنشاء سد مطاطي للحفاظ على تدفق المياه في النهر، وإقامة نظام مواصلات صديق للبيئة في أغرا، وتطوير منشآت معالجة الصرف الصحي في المنطقة.
مشاركة :