تحقيق: راندا جرجس اعتاد الأهل على أن الطفل ذا القدرات الجيدة والذكاء، هو الذي يتسم بالحركة والانطلاق، ولكن عندما يتحول هذا الأمر إلى فرط بالنشاط، فحينئذ يبدأ القلق، وخاصة عندما يكون الصغير شديد العدائية، ويعاني اضطراباً سلوكياً، وتأخر مهاراته، وقدرته على التركيز، وضعف التحصيل الدراسي، والتشتت الذهني، وكثرة الاندفاع والحماس؛ ولذلك يجب على الوالدين مراقبة أطفالهما وخاصة في السنوات الأولى من العمر؛ حيث إن الكشف المبكر يساعد على تحقيق نسبة شفاء عالية، كما أن هذه الحالات تتطلب مجموعة من العلاجات الدوائية، والبرامج النفسية والسلوكية.يقول الدكتور مفيد موصلي استشاري طب الأطفال، إن فرط نشاط الأطفال اضطراب عصبي تطوري ناتج عن تداخل، واجتماع عوامل وراثية، محيطية واجتماعية في آن واحد، وهناك نسبة 75% من الأطفال المصابين بهذا المرض ناتجة عن انتقال المورثات من أحد الآباء، وهي ما تنتج عن تغيرات جينية في المورثات المسماة DAT، DRD4، DRD5؛ حيث إنها مسؤولة عن سلامة جهاز الدوبامين، المسؤول عن المركبات المهمة في ديمومة التركيز العقلي المتوقع، وبالتالي فإن قصور هذا الجهاز يؤدي إلى نقص كميات الدوبامين الطبيعية، ما يؤدي إلى نقص التركيز، إضافة إلى أن هذه العوامل الوراثية الجينية تؤدي إلى تغيرات في تركيب الخلايا العصبية المركزية الدماغية، كما أثبت العلماء أن حجم القشرة الدماغية في المنطقة ما قبل الجبهية الفص الجداري القفوي عادة ما يكون أصغر من حجمه عند الأطفال الآخرين، وتكون النتيجة النهائية هي قصور في الوظائف التنفيذية المسيطرة؛ مثل: السيطرة على التركيز، السيطرة على التنبيه، التثبيط، والذاكرة الفعالة.عوامل محيطةيذكر د. موصلي أن هناك بعض العوامل المحيطة، التي يمكن أن تساعد على الإصابة بفرط النشاط عند الطفل؛ حيث أثبت العلم أن الأطفال الخدج أو المولودين باكراً ترتفع لديهم نسبة الإصابة بهذه الاضطرابات، وأيضاً تناول الكحوليات، والأدوية وتعرض الأم الحامل للمواد السامة مثل الرصاص، وكذلك مبيدات الحشرات، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة إصابة الطفل لهذا الاضطراب، كما أكدت بعض التجارب العلمية وجود ارتباط قوي بين تناول خافض الحرارة ومسكنات الألم مثل الباراسيتامول أثناء الحمل ونسبة ازدياد معدلات الإصابة، كما أن طريقة استجابة الأهل لسلوكيات الأطفال، إضافة لتدني المستوى الثقافي العائلي، لهما تأثير مهم في ظهور المرض بأشكاله المختلفة، وخاصة عند الصغار الذين تعرضوا للمعاملة بعنف وسوء التربية، ومن الملاحظ بشكل مستمر أن فرط نشاط الحركة يزداد بشكل ملحوظ لدى الأطفال الذين تمت تربيتهم في منازل ذات وسط اجتماعي مضطرب مملوء بالتعنيف وعدم التنظيم، وتستهدف هذه الإصابة الصغار بين 2 - 12 سنة، ولكن أغلب العلاقات الواضحة تكون في سن الأربع سنوات، مع بداية المرحلة الدراسية الأولية.أعراض وعلاماتيفيد د. موصلي بأن أهم الأعراض التي ترافق الإصابة بفرط نشاط الحركة ونقص الانتباه عند الأطفال تتمثل في عدم القدرة على التركيز، وفرط النشاط الزائد على المعتاد، وفي الأوساط والمجتمعات التي تربى فيها الطفل كثرة النسيان، وكذلك عدم الالتزام بالقواعد والتعليمات، وعدم اتباع الإرشادات، كما أن الطفل لا يستطيع تكوين صداقات في المجتمع المحيط، وكثرة استعمال الشدة، والقدرة البدنية، وربما يتطور ذلك إلى حوادث جسيمة وعراكات متعددة، وسرقة، ولعل من أصدق التعبيرات التي قالها أحد الأطفال: إنه يرى «الحياة تشبه الفيلم السينمائي السريع»، ويتم تشخيص هذا الاضطراب، عن طريق أطباء الأطفال المتخصصين؛ من خلال الفحص النفسي، وجمع المعلومات اللازمة عن تفاعل الطفل مع المحيط من الأهل، المدرسة، وكذلك الأفراد الذين يعتنون بالطفل نفسه، ويتم ذلك بالإجابة على أسئلة محددة تكشف وتحدد مدة وشدة الأعراض، كما حدد كتاب التشخيص والإحصاء الخاص بالأمراض النفسية عدة علامات مهمة لإثبات التشخيص DSM5 وهو ما يتبع حالياً في التشخيص والعلاج.مضاعفات ومشكلاتيذكر الدكتور معتوق محمد زبيدة استشاري طب أطفال، أن هناك بعض المضاعفات التي يتعرض لها الطفل الذي يعاني فرط نشاط الحركة وقصور الانتباه؛ حيث إنه يعاني صعوبة اتباع أي إرشادات أو نصائح، وسهولة تشتت الانتباه والتفكير، ويتصرف كأن عنده مشكلة في حاسة السمع، يقوم بأخطاء متكررة؛ نتيجة عدم التركيز والانتباه، ونسيان الأعمال والواجبات اليومية الروتينية، وصعوبة القيام بأي مهمة تحتاج الجلوس لفترات طويلة، ينسى أماكن الأشياء؛ ما يؤدي لضياع أدواته اليومية، والتشتت الفكري يجعله كأنه في أحلام خلال النهار (أحلام يومية)، دائم الحركة والنشاط وعدم الثبات في مكان واحد، لا يفضل اللعب والاندماج مع الأطفال ويفتعل المشاكل معهم، كثرة الكلام وصعوبة في السماع عندما يتكلم الآخرون، المعاناة من اضطرابات نفسية في بعض الأحيان، لا يتحكم بالغضب وانفعالاته تكون شديدة.إعادة التأهيليشير د. معتوق إلى أن علاج الأطفال المصابين بفرط نشاط الحركة وقصور الانتباه، يتم عن طريق مجموعة من العقاقير العلاجية والغذائية يكملهما برامج إعادة التأهيل المناسبة للحالة، وربما لا تستجيب جميع الحالات لنفس نوع الدواء، ويمكن وصف أدوية أخرى من قبل الأطباء النفسيين أو أطباء الأمراض العصبية، كما يجب أن ننتبه لإعطاء الطفل الغذاء الغني (أوميجا 3)؛ حيث إنه يساعد في علاج الحالات البسيطة لمن يعاني فرط نشاط الحركة وقصور الانتباه، أما بالنسبة لبرامج إعادة التأهيل فهذه تتم عن طريق التعليم الخاص بهذه الإصابات، عن طريق التكيف السلوكي والوظيفي، وعن طريق الاستعانة بالمختصين ومن لديهم الخبرة في التعرف إلى حالة الصغير، والقدرة على التعامل مع هذه المشاكل التعليمية والسلوكية؛ حيث إن ذلك يسهم بشكل كبير في التقليل من المضاعفات وتطور الحالة، وأيضاً علاجها، وهناك بعض النصائح التي يجب توجيهها للأصدقاء، وزملاء الدراسة الأهل، فمن المهم أن يتفهم المحيطون بهؤلاء الأطفال وضعهم وحالتهم وسلوكهم، كي يستطيعوا مساعدتهم في حياتهم اليومية، مع العمل على احتواء نشاطهم الزائد، والتعامل بطرق جيدة مع المشاكل السلوكية التي تحتاج لأسلوب خاص، حتى يتم استيعاب واحتواء تصرفاتهم الغريبة، وكذلك السيطرة على تأثير مشاكل فرط الحركة على العلاقات العائلية والاجتماعية، ومشاكل النوم وأحلام اليقظة، والاستعانة بالجمعيات المهنية المتخصصة في علاج حالات فرط الحركة وقصور الانتباه التي تكون لديها الإمكانات والخبرة للتعامل مع هذه الحالات.التمارين العلاجيةيوضح مختص العلاج الطبيعي محمد جمال صالح أن اضطراب فرط النشاط المصحوب بقصور الانتباه اضطراب يصيب الأطفال؛ حيث يرافقه الكثير من الأعراض التي تؤثر سلباً في الطفل والوالدين، والمحيطين به، وتستمر إلى مراحل عديدة مثل المراهقة وما بعدها، وأهم ما يتصف به هؤلاء الأطفال هو الاندفاع وفرط النشاط الحركي، ما ينتج عنه عدم التركيز وتشتت الانتباه، والتعرض للمشكلات في سلوكهم اليومي بشكل عام؛ ولذلك يجب على الأهل مراقبة صغارهم من الطفولة، حتى يستطيعوا اكتشاف هذه الحالة مبكراً، فإن ذلك يساعد على حل هذه المشاكل وعلاجها بشكل أسهل، حتى لا يتعرض الطفل لمخاطر في حياته اليومية والمدرسية، وصعوبة ممارسته للأنشطة العامة، وكذلك في مجال التعلم، وأيضاً في المحيط الأسري؛ حيث إن الطفل المصاب بفرط الحركة وقصور الانتباه يتميز بالعناد والعصيان، ويعد العلاج السلوكي من أهم الطرق المتبعة في علاج هؤلاء الصغار، فهو من أحدث الأساليب المتبعة في علاج حالات فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهو يعتمد على مجموعة من نظريات التعلم ويضم العديد من الأمور الفنية التي تعمل على إحداث تغيير في سلوك المصاب، كما يعمل على زيادة قدرتهم على الانتباه مع التقليل من السلوك غير المناسب؛ حيث يستند هذا النوع من العلاج على مجموعة من الأساليب والإجراءات التي تهدف إلى زيادة معدل ممارسة الفرد لسلوك مرغوب فيه، أو خفضه، وتعليمه سلوكاً جديداً.يستكمل: توجد الآن نظم تأهيلية مكثفة لحالات فرط الحركة وتشتت الانتباه مثل غرفة الحواس البصرية، العلاج الطبيعي المكثف، والتمارين؛ حيث أثبتت الأبحاث الحديثة، أن التمارين العلاجية تساعد في محو الذاكرة السيئة من الفشل في أداء بعض الحركات، ما يؤدي إلى زيادة قدرة الطفل على التركيز، وكذلك ثقته في أنه يستطيع فعل ما فشل فيه سابقاً، كما تساهم أيضا التمارين العلاجية في زيادة نسبة هرمون الاندروفين، وهرمون الدوبامين في المخ، ما ينتج عنه تعزيز التركيز والانتباه. تغذية آمنةتسعى كل أم إلى تنشئة طفلها على عادات غذائية صحية، حيث ناقشت الكثير من الأبحاث أهمية ذلك الموضوع وتأثير الأطعمة على الطفل سواء جسدياً أو نفسياً، حيث أثبتت بعض الدراسات أن هناك بعض المكونات التي يجب إعطاؤها للطفل، لتساعده على النمو بشكل صحي وآمن كمنتجات الألبان والكالسيوم، الخضروات والفواكه الطازجة بأنواعها، والمكسرات، والبروتينات، كما تعد الأطعمة التي تحتوي على الحمض الدهني أوميجا 3 ضرورية لحيوية الجسم، كما أنها تنشط من قدرة الجسم على التركيز والانتباه.. إلخ، وبالمقابل يجب الحذر من المأكولات التي تحتوي على المواد الحافظة، والمحليات الصناعية، ومكسبات الطعم، حيث إنها تزيد من تعرض الصغار للإصابة بالأمراض المختلفة.
مشاركة :