عوامل كثيرة تضافرت وأدت إلى انخفاض كبير في أسعار النفط وسط مخاوف من استمرار هذا التراجع بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر وتحديات اقتصادية تواجه الدول التي تعتمد على هذه السلعة الإستراتيجية كمصدر رئيسي للدخل القومي. وبعيداً عن الحسابات السياسية التي لا يمكن فصلها عن معادلات الاقتصاد فإن الخبراء يتحدثون عن أسباب محددة لهذا التراجع الكبير في الأسعار وعلى رأس هذه الأسباب وجود فائض ضخم في الأسواق وزيادة الإنتاج من خارج دول «الأوبك» وتباطؤ نحو الاقتصاد العالمي خاصة في دول مستهلكة رئيسية مثل الصين، كما أن كل الدول المنتجة لا ترغب في خفض إنتاجها خاصة روسيا وإيران اللتين تواجهان صعوبات اقتصادية بسبب العقوبات المفروضة عليهما وبسبب تورطهما في سوريا. وقد بدأت انعكاسات انخفاض أسعار البترول بما يعادل 50 % تظهر في الانهيارات التي ضربت أسواق البورصة، وسباق التخفيضات الذي يجري بين المنتجين، وقد تكون هذه مجرد بدايات التداعيات إذا استمر التدهور السريع في أسعار البترول فعدم استقرار الأسعار ينعكس حتماً على الاقتصاد العالمي كله وعلى برامج التنمية ويتسبب في أزمات مالية وربما اضطرابات سياسية في الدول التي ستجد نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات تقشف متشددة. نحن وبحمد الله وبفضل السياسات الاقتصادية الحكيمة التي تبنتها قيادتنا الرشيدة نعد الأكثر قدرة على امتصاص صدمة انخفاض الأسعار على الرغم من اعتماد اقتصادنا على النفط كمصدر أول للدخل القومي، فقدرة المملكة الإنتاجية الضخمة تمنحها مرونة كبيرة، والاحتياطيات النقدية التي حرصت المملكة على بنائها في السنوات الأخيرة، والارتفاع الملحوظ في حصة القطاع غير النفطي في الناتج الإجمالي الكلي، وموقف المملكة القوي في المؤسسات المالية العالمية، وقدرتها على التكيف السريع مع المعطيات الاقتصادية الجديدة من خلال إجراءات ترشيد وضبط للإنفاق لا تؤثر مباشرة على المشاريع الحيوية أو برامج الدعم الحكومي للمواطن السعودي، كل هذه العوامل تجعلنا بعون الله قادرين على التأقلم والتعامل مع تطورات أزمة النفط الحالية ومستجداتها. هذا لا يعني أننا محصنون من تداعيات الأزمة، فالمملكة أكبر مصدر للنفط في العالم وخسارة نصف العائدات النفطية ليس أمراً سهلاً، لكن العالم سيبقى محتاجاً للنفط اليوم وغداً، وقد مرت أسعار البترول بمراحل صعود وهبوط من قبل كنا خلالها الأكثر حنكة والأقل تضرراً، ونحن قادرون بعون الله على التعامل مع هذه التراجعات الوقتية فاقتصادنا قوي ودعائمه راسخة وخياراته متعددة. وتصريحات وزير المالية المطمئنة بالاستمرار فى الانفاق على مشاريع التنمية فى الميزانية الجديدة تؤكد قوة الاقتصاد السعودى، أما الذين تضرروا من انخفاض أسعار الأسهم فإن عليهم أن يدركوا أن المضاربة في البورصة لعبة تنطوي على درجة من المخاطر وأن التجارة ربح وخسارة ولن تكون ربحاً على الدوام.
مشاركة :