تونس – لم تفلح حركة نداء تونس في إضفاء التفاؤل، أو تبديد الضبابية التي مازالت تُحيط بعلاقتها المُلتبسة مع حركة النهضة الإسلامية، التي كانت ولا تزال السبب الرئيسي لحالة الانقسام والتشرذم التي تعيشها، والتي ساهمت في تشويه المشهد السياسي العام بالبلاد. بل إن الأجواء الإيجابية التي سعى قادة ومسؤولو الحركة إلى إشاعتها في أعقاب اجتماع الهيئة السياسية، لم تنفع هي الأخرى في إخفاء الهواجس التي يثيرها دور هذه الحركة في المشهد السياسي العام الذي بدأت فيه الاصطفافات السياسية تتبدل وفق حسابات مُعقدة. وعقدت الهيئة السياسية لحركة نداء تونس، ليل الجمعة-السبت، اجتماعا هو الأول لها منذ أكثر من 16 شهرا، وسط انتظارات سياسية عالية غذتها حملة إعلامية واسعة حول الخطوات اللاحقة التي تستدعي مواجهة الأزمة الداخلية التي لا تزال تداعياتها تتفاعل، وتوحي بالمزيد من التصعيد الحزبي الداخلي، والسياسي العام. وركزت تلك الحملة الإعلامية على أن الاجتماع المذكور الذي ترأسه حافظ قائد السبسي، يُجسد محاولة جادة لاستدراك ما فات، باعتبار أن منحى التطورات يستدعي ضرورة العمل من أجل ترميم حركة نداء تونس، لا سيما وأن البلاد أصبحت على أعتاب منعطف سياسي خطير بدأ يتفاعل باتجاه تغيير كل الحسابات السابقة. حركة نداء تونس لم تخرج من مربع العلاقة التي أنتجتها مع حركة النهضة رغم الالتباسات العديدة التي تحيط بها وعلى وقع ذلك، توقع المراقبون أن يأتي الاجتماع بجديد من شأنه تغيير ملامح المشهد، لجهة تحديد الأولويات، والتحالفات، وخاصة منها الحسم في التوافق الذي يربط حركة نداء تونس بحركة النهضة الإسلامية، على قاعدة تبدل قواعد الاشتباك السياسي نتيجة الاصطفافات الحادة التي أبرزت ارتباطا باستحقاقات 2019. غير أن شيئا من ذلك لم يحصل، حيث خلا البيان الذي صدر السبت، عن اجتماع الهيئة السياسية لحركة نداء تونس، من أي إشارة إلى تلك العناوين البارزة التي تُجمع مختلف الأوساط السياسية على أنها العنصر الأساسي الذي يستدعي إعادة رسم المواقف في سياق البحث عن معادلات جديدة تصنع الفرق بما يتناسب مع المشهد الجديد بتعبيراته المختلفة. واكتفت الهيئة السياسية لحركة نداء تونس في بيانها بالدعوة إلى”تغيير شامل للحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، كمقدمة لتجاوز الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد”. كما أعلنت فيه عن عقد قرارها بعقد مؤتمر انتخابي للحركة أيام 25 و26 و27 يناير2019، إلى جانب المصادقة على تعيين النائبة أنس الحطاب ناطقا رسميا باسم الهيئة السياسية، وعلى مطلب القيادي رضا بالحاج في التراجع عن استقالته والرجوع إلى حركة نداء تونس والالتحاق بهيئتها السياسية. وفي المقابل، لم تحسم الهيئة السياسية لحركة نداء تونس موقفها من العلاقة مع حركة النهضة الإسلامية، رغم الالتباسات العديدة التي تُحيط بها، حيث أبقت على تلك العلاقة التي قامت على توافق يُوصف بـ”المغشوش”، في دائرة الضبابية، وذلك خلافا لتصريحات سابقة لمسؤوليها اتهموا فيها النهضة بالغدر وازدواجية الخطاب السياسي. وأثار هذا التجاهل المقصود لمثل هذه المسألة الجوهرية، شكوكا متزايدة لدى مختلف الفاعلين السياسيين الذين رأوا في هذه التطورات المتتالية أن حركة نداء تونس مازالت تتعاطى مع تلك العلاقة بحسابات تأخذ شكلها ومضمونها من الأبعاد التي تنطوي عليها في الاستدلال السياسي المحكوم بالخيوط والعوامل نفسها التي أسست لـ”التوافق المغشوش”. حسابات سياسية خاطئة مازالت تحكم موقف حركة نداء تونس وتذهب إلى القول إن هذه الحركة التي تأسست في العام 2012 على قاعدة التصدي لتغوّل حركة النهضة على المشهد العام في البلاد، وبالتالي تحقيق التوازن المطلوب، لم تخرج من مربع العلاقة التي أنتجتها مع حركة النهضة وعن الدور الذي تلعبه وفقا لحسابات سياسية خاطئة لا تأخذ بالاستنتاجات المبنية على معادلات تجاوزتها الأحداث. ومع ذلك، يُكابر البعض من مسؤولي هذه الحركة، منهم خالد شوكات، الذي اعتبر أن اجتماع الهيئة السياسية “انتهى إلى التأكيد على جملة من الثوابت، وتخييب آمال لكثير من الذين راهنوا ولا يزالون على مغادرة حركة نداء تونس لموقعها كرقم أساسي في المعادلة السياسية”. وشدد في تصريحات نشرتها صحيفة “الصباح نيوز”، على أن الأهم هو “ضمان التوازن السياسي، الذي باختلاله يصبح كل ما أنجزته حركة نداء تونس خلال السنوات الماضية على مستوى حماية مكتسبات الجمهورية أو مسار الانتقال الديمقراطي منقوصا”. لكن الوقائع التي أظهرها بيان الهيئة السياسية لحركة نداء تونس، كانت رسائلها واضحة بأن ما تم لا يعكس مثل ذلك التفاؤل الذي سعى إلى إشاعته خالد شوكات، باعتبار أن كل المؤشرات تؤكد أن ذلك الاجتماع لم يكن سوى عود على بدء، حيث انتهى إلى ما بدأ فيه.
مشاركة :