لندن – طالب الرئيس التنفيذي لصحيفة نيويورك تايمز شركة فيسبوك بالتوقف عن نشر الأخبار على منصتها الخاصة، طالما أنها غير قادرة على تجنب انتشار الأخبار الكاذبة حتى الآن. ووفق ما ذكر جيم واترسون في صحيفة الغارديان البريطانية، قال مارك تومسون إنه يشعر بالقلق إزاء محاولات فيسبوك استخدام الخوارزميات لترتيب جودة المنصات الإخبارية، محذرا أن المنشورات ستحتل المرتبة الأولى استنادا إلى أطول وقت تبقى فيه هذه المنشورات على صفحات فيسبوك”. وقال تومسون المدير العام السابق لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، “كل هذا يبدو وكأنه مجتمع خاضع للرقابة. أعتقد أنه يمكنهم العمل معنا لمساعدة المستخدمين على اتخاذ قرارات حول المنصات التي من الممكن أن يثقوا بها والمنافذ الإخبارية الأخرى التي لا يجب الوثوق بها. لا أحاول الحصول على ضمان بأننا سنفوز بثقة غالبية المستخدمين، لكنني أرغب في كسب ثقة الأشخاص من خلال فهمهم لما نحاول القيام به”. وأضاف “نريد خلق هذا النوع من البيئات حيث يستطيع المستخدمون اتخاذ قرارهم بأنفسهم”، وأشار إلى محاولة فيسبوك مكافحة التضليل على منصتها، قائلا “إذا لم تستطع فيسبوك فعل شيء حيال ذلك، فليس هناك أي داع لنشر الأخبار على منصاتها. من الأفضل نشر مقاطع فيديو للقطط. إذا كان الأمر صعبا للغاية، إذن فمن الأفضل ألا تفعله”. ولم تعتد وسائل الإعلام مثل هذا النهج حيث قضت السنوات الخمس الماضية في مطاردة الملايين من القراء عبر صفحات فيسبوك، لتشاهد انخفاض حركة المرور هذا العام عندما غير مارك زوكيربرغ من الخوارزميات التي تساعد على ترويج الأخبار على الشبكة. لكن تومسون ينضم إلى مجموعة من المديرين التنفيذيين في مجال الإعلام ممن يبحثون عن الحياة خارج نطاق فيسبوك، ولا سيما في أعقاب سلسلة من الفضائح والشكوك حول استدامة نماذج الأعمال الإخبارية على الإنترنت. ويحاولون ضمان بقاء منافذهم الإخبارية على قيد الحياة من خلال بناء علاقة مباشرة مع قرائهم ومن ثم مطالبة هؤلاء القراء بدفع ثمن صحافة عالية الجودة. وقال تومسون، الذي لا يمتلك حسابا على تويتر أو فيسبوك، “أعتقد أننا نختلف هنا حول ماهية الصحافة. فقد بدأ وادي السيليكون باتباع الفكرة البسيطة جدا عن نقل الأخبار معتقدا أنها سلسلة من الأحداث الإخبارية، كغرق سفينة، أو احتراق مبنى، أو حدوث زلزال. ستكون لديك 10 أحداث والعديد من المواقع الإخبارية المختلفة التي تنقل الأحداث مع إمكانية تبادل التقارير الفردية”. 4 ملايين مشترك لموقع نيويورك تايمز بفضل تغطيتها الاستثنائية وأضاف “إنها نظرة قاسية! فالأخبار كائن ثقافي متطور، وتتمتع بدقة متناهية. وترتبط معظم القصص الإخبارية بالقصص الطويلة الأمد التي تطرح على مدار سنوات، مثل بريكست أو إدارة ترامب أو الاحتباس الحراري. فالعلاقة التي يتمتع بها القارئ مع مزود الأخبار هي علاقة طويلة الأمد بعد أن أصبح متفهما للسياق. أما الآن فقد اعتادوا على سماع المزيد من الأصوات، واستطاعوا أن يكونوا قائمة انتقاداتهم بأنفسهم”. وتولى تومسون، البالغ من العمر 61 عاما، منصب الرئيس التنفيذي لصحيفة نيويورك تايمز عام 2012، بعد فترة وجيزة من وضع الموقع نظام الاشتراك المدفوع. وبفضل تغطية الأخبار المتعلقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وهارفي وينشتاين، أصبح لدى الموقع الآن ما مجموعه 4 ملايين مشترك، بما في ذلك 400 ألف مشترك يدفعون مقابل الاشتراك فقط في قسم الكلمات المتقاطعة والطهي، مما يساعد على التغلب على الهبوط الهائل في عائدات الطباعة. ويبلغ عدد قاعدة المشتركين في المملكة المتحدة العشرات من الآلاف، لكن الصحيفة تتطلع للتوسع عالميا وتوظف عملياتها في المملكة المتحدة الآن حوالي 50 صحافيا. ويقول تومسون إن ثقافة الصحيفة تتشابه إلى حد كبير مع ثقافة هيئة الإذاعة البريطانية أكثر من عالم الصحف البريطانية المتقلبة، مشيرا إلى أن هناك “الكثير من التدقيق في الحقائق” أكثر مما يحدث في “فليت ستريت”، حي الصحافة في لندن. وأضاف “إن ما نحاول القيام به هو استعادة شريحة القراء لمداومة قراءة الصحيفة على هواتفهم الذكية، وهذه ليست مهمة بسيطة”. وتنبأ تومسون بحدوث معركة دامية، حيث تم دهس العديد من الصحف الصغيرة أثناء عملية الانتقال إلى النظام الرقمي، وتابع “في الولايات المتحدة، قد لا تبقى سوى صحيفتين أو ثلاث على قيد الحياة، بخلاف المتخصصين. أظن ستحصل كل من صحيفة واشنطن بوست وصحيفة وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز على فرصة جيدة للبقاء”. وقال إنه من المرجح أن يتم تكرار هذا الانهيار في المملكة المتحدة، مع الإبقاء على المنافذ التي تستطيع إقناع القراء بدفع ثمن صحافة عالية الجودة قادرة على إثبات وجودها في ظل تراجع إيرادات الصحف المطبوعة. وأعرب تومسون عن قلقه من تغير السلوك البريطاني تجاه هيئة الإذاعة البريطانية، وحذر من أنه مع انهيار الصحف الإقليمية، فإنه “يبدو أن بث الأخبار العالمية عن طريق التلفزيون والراديو والإنترنت” يلقى استحسانا وتعزيزا. وقد حذر تومسون، الذي قال إنه يدفع مقابل اشتراكه لقراءة صحيفة الغارديان وصحيفة نيو ستيتسمان، وفاينانشال تايمز، وبي بي سي، مما حدث بالفعل في الولايات المتحدة، حيث لا يتم الإبلاغ وانتقاد بعض تصرفات الحكومات المحلية. ولكن يحدث العكس في بريطانيا، وهو شيء جيد جدا في حد ذاته، ويجب على المملكة المتحدة أن تعرف هذا جيدا. وفي الوقت الراهن، لا يزال يتعين عليه أن يتعامل مع قارئه الأكثر انتقادا بشكل علني (دونالد ترامب)، وهو أحد المولعين بالتغريد عبر حسابه على تويتر عن “نيويورك تايمز الفاشلة” رغم أنه جاء لتناول الغداء في الصحيفة ووصفها بأنها “جوهرة أميركا والعالم”. وإذا راقبنا توقيت تغريدات ترامب والقصص التي يختارها من غرفة نومه بالبيت الأبيض، يعتقد تومسون أن ترامب من محبي النسخة المطبوعة وليس من محبي قراءة الموقع الإلكتروني. ويقول تومسون “نعلق صورة باهتة لريتشارد نيكسون في قاعة اجتماعاتنا كُتب عليها ‘بعض الناس يقرأون التايمز ويحبونها، وبعض الناس يقرأون التايمز ولا يحبونها، لكن الجميع يقرأ التايمز”. أما بالنسبة إلى دونالد ترامب، فهو حتما يقرأها”.
مشاركة :