أسامة سليمان من فيينا وسط ترقب واسع في أسواق النفط الخام، يبدأ اليوم الإثنين تطبيق أول مجموعة من العقوبات الأمريكية على إيران، كما أنه من المرجح اتخاذ إجراءات أخرى أكثر صرامة خلال شهر أيلول (سبتمبر). وتوقع تقرير لشركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" أن تشهد سوق النفط مزيدا من الضيق في المعروض النفطي قبل نهاية هذا العام، مشيرة إلى أن البعض يعتبر استجابة "أوبك" المبكرة لزيادة العرض قد لا تكون كافية لتعويض خسارة كبيرة ربما تكون مليون برميل يوميا من إمدادات النفط الخام من إيران ما لم تتبعها زيادات إنتاجية أخرى. من جانبه، قال تقرير "أويل برايس"، "إن السؤال المتعلق بإمدادات النفط الإيرانية حاليا هو مدى قدرة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على إجبار جميع العملاء على وقف تجارتهم النفطية مع إيران"، مشيرا إلى أن الاستثناء الوحيد في الأغلب هو الصين التي قالت بالفعل "إنها لن تعترف بالجزاءات الأمريكية على إيران". ونقل التقرير عن مسؤولين تأكيدهم أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على إقناع الصين بتخفيض مشتريات النفط الإيرانية، مشيرا إلى أن بكين أفادت بأنها وافقت على عدم زيادة وارداتها النفطية من إيران، وفقا لتقارير صدرت عن "بلومبيرج". وذكر التقرير أنه يمكن للولايات المتحدة إخراج أوروبا من السوق ومن المرجح أن تقوم الهند - ثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الصين - بتقليص عمليات الشراء من النفط الإيراني حتى لو لم تخرج من السوق بالكامل. ونبه التقرير إلى أن كلا من إنتاج النفط الفنزويلي المتدهور وأيضا الجهود الأمريكية لتقليص الصادرات الإيرانية سيؤديان إلى تشديد سوق النفط الخام على نحو واسع، مشيرا إلى أن "أوبك" ردت بزيادة العرض "لكننا لم نر بعد كمية الإمدادات الإيرانية التي ستتوقف"، مضيفا أن "الأمر سيكون بالغ الأهمية". وأضاف أن "كل الإشارات الصادرة من البيت الأبيض تؤكد أن العقوبات ستكون شديدة الصرامة مع المصافي التي تقوم باستيراد النفط للخام الإيراني"، متوقعا أن تبذل الإدارة الأمريكية أقصى الإجراءات لوقف التجارة في الخام الإيراني. واستند التقرير إلى استطلاعات دولية تؤكد أن العقوبات الأمريكية ستخصم ما بين 500 ألف برميل يوميا ومليون برميل يوميا من النفط الخام الإيراني من السوق، لافتا إلى أن عودة العقوبات على إيران تعتبر أحد الأسباب التي دفعت المختصين مرة أخرى - وللشهر العاشر على التوالي - إلى تقدير أسعار النفط الخام سواء غرب تكساس الوسيط أو خام برنت التي من المتوقع أن تصل إلى 67.32 دولار للبرميل و72.87 دولار للبرميل هذا العام على التوالى. فى سياق متصل، توقع محللون نفطيون حدوث تقلب في أسعار النفط الخام خلال الأسبوع الجاري بعد أن انخفض خام برنت بنحو 1.5 في المائة والخام الأمريكي بنحو 0.4 في المائة خلال الأسبوع الماضي. وقال المحللون "إن المخاوف من تأجج الصراع التجاري الأمريكي الصيني وتأثيره في إضعاف مستويات الطلب تسيطر على أسعار الخام، كما تتلقى الأسعار دعما من عودة الناقلات السعودية إلى العمل بشكل طبيعي في مضيق باب المندب في البحر الأحمر". وأشار هؤلاء إلى أن الزيادات الإنتاجية الملموسة التي تقودها السعودية وروسيا وبعض دول الخليج تنفيذا لقرارات "أوبك" وحلفائها تكبح نمو الأسعار وتجدد حالة وفرة المعروض في الأسواق. في هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، دان بوسكا كبير المحللين في بنك "يوني كريديت" البريطاني، "إن تقلبات الأسعار ستكون مهيمنة على السوق خلال الأسبوع الجاري في ضوء استمرار الصدام التجاري الصيني الأمريكي في ضوء المخاوف من تداعياته الواسعة على الطلب، إلى جانب بدء تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران، وهو الأمر محل الترقب من كل أطراف السوق نظرا إلى تأثيراته الواسعة المتوقعة". وأشار بوسكا إلى أن "أوبك" تدعم استقرار السوق، وتمثل ذلك في العودة السريعة إلى استئناف شحنات النفط السعودية عبر مضيق باب المندب إلى جانب الزيادات الواسعة في الإنتاج التى تقودها السعودية والإمارات والكويت بالتعاون مع روسيا من خارج "أوبك" لمنع حدوث نقص في الإمدادات والحفاظ على توازن علاقة العرض بالطلب. من جانبه، أوضح جون هال مدير شركة "ألفا إنرجي" الدولية للطاقة، أن الخسائر السعرية التي سجلت في الأسبوع الماضي في خامي برنت وغرب تكساس تعود بشكل أساسي إلى زيادة الإمدادات وتسجيل "أوبك" مستوى قياسيا جديدا في حجم الإنتاج، كما أن روسيا قامت بزيادات مؤثرة واستعادت أغلب الحصة التي قامت بتخفيضها في اتفاق ديسمبر 2016 مع دول أوبك. وأضاف أن "دول الإعلان المشترك تسعى للوصول إلى نسبة مطابقة 100 في المائة، واقتربت بالفعل من ذلك بعد فترة طويلة من التخفيضات الطوعية وغير الطوعية التى هبطت بمستوى المعروض النفطي العالمي بشكل مؤثر وقادت إلى ارتفاعات سعرية كبيرة تخوف من تداعياتها كبار المستهلكين". من ناحيته، يقول لـ "الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران سيدفع الأسعار إلى الصعود بسبب عدم معرفة مدى وتأثير تلك العقوبات، وفى المقابل نجد أن اشتعال الصراع التجاري الأمريكي الصيني يدفع الأسعار إلى الهبوط بسبب المخاوف على الطلب وهو ما سيجعل الأسعار ما زالت تدور في فلك التقلبات السعرية المتلاحقة". ولفت كروج إلى أن التشديد على المصافي بوقف استيراد النفط الإيراني مهمة ليست سهلة خاصة أنها ستحتاج إلى بعض الوقت علاوة أنها من المؤكد ستلقى مقاومة خاصة من المصافي الصينية والهندية اللتين تمثلان الحصة الأكبر في استهلاك النفط في العالم. وكانت العقود الآجلة للخام قد تراجعت في ختام الأسبوع المنصرم متخلية عن مكاسب الجلسة السابقة حيث ضغطت المخاوف التجارية على السوق وغذت بواعث القلق بشأن الطلب. وبحسب "رويترز"، فقد تحدد سعر التسوية لعقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط على انخفاض 47 سنتا عند 68.49 دولار للبرميل، وتراجعت عقود خام برنت 24 سنتا عن الإغلاق السابق ليبلغ سعر التسوية 73.21 دولار للبرميل. وانخفض كلا الخامين أكثر من دولار للبرميل لفترة وجيزة. وختم الخام الأمريكي معاملات الأسبوع منخفضا 0.4 في المائة بينما فقد برنت 1.5 في المائة للفترة ذاتها. وقال جيم ريتربوش المحلل في "جالينا" في ولاية إلينوي "الشعور هنا هو شعور بالقلق، وسيستمر ما دام لدينا عدم تيقن بشأن العقوبات الإيرانية وعدم تيقن بشأن الرسوم التجارية، والأمر لا يتطلب الكثير لإيقاد شرارة ميل حاد بطريقة أو بأخرى". وتفاقم التراجع بفعل المخاوف المتعلقة بالطلب الصيني بعد أن خفضت شركة النفط الوطنية الصينية العملاقة سينوبك مشترياتها من الخام الأمريكي. ويعتقد وارين باترسون محلل أسواق السلع الأولية في "آي.إن.جي" أن "الطلب الصيني من شركات التكرير المستقلة منخفض أيضا، وتصاعد الحرب التجارية لا يساعد المعنويات هو الآخر". وأظهر تقرير شركة "بيكر هيوز" الأمريكية للخدمات النفطية تراجع عدد منصات استخراج النفط العاملة في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الحالي بمقدار منصتين، مقارنة بالأسبوع الماضي إلى 859 منصة، وهو ما يزيد بمقدار 94 منصة عن الأسبوع نفسه من العام الماضي. في الوقت ذاته بلغ إجمالي عدد منصات النفط والغاز الطبيعي العاملة خلال الأسبوع الحالي 1044 منصة بانخفاض قدره أربع منصات عن الأسبوع السابق بزيادة قدرها 90 منصة عن الأسبوع نفسه من العام الماضي. وبحسب تقرير "بيكر هيوز" فإن ولاية وايومنج الأمريكية أضافت منصتين، وأضافت ولايتا لويزيانا وبنسلفانيا منصة واحدة في كل منهما، في حين فقدت ولاية ويست فيرجينا ثلاث منصات خلال الأسبوع الحالي وفقدت ولايتا نيو مكسيكو وكولورادو منصتين لكل منهما، وفقدت ولايتا ألاسكا ونورث داكوتا منصة واحدة في كل منهما، ويعد عدد المنصات العاملة في الولايات المتحدة مؤشرا أوليا على مستويات إنتاج النفط في المستقبل.
مشاركة :