تخضع إيران مجددا ابتداء من الثلاثاء لسلسلة عقوبات تفرضها عليها الولايات المتحدة في إطار سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتشددة تجاه طهران عقب إعلانه انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والغرب عام 2015. يترقب الإيرانيون بقلق تداعيات المرحلة المقبلة من العلاقات مع الولايات المتحدة، وإستراتيجية واشنطن بعيدة الأمد حيال طهران. إذ تدخل ليل الاثنين الثلاثاءالعقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران حيز التنفيذ، مع العلم أن الإيرانيين يرزحون أصلا تحت وطأة التراجع الكبير الذي شهده اقتصاد بلادهم وعملتهم الوطنية. فابتداء من الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش الثلاثاء لن يكون بإمكان حكومة إيران شراء الأوراق النقدية الأمريكية، كما أن عقوبات واسعة ستفرض على الصناعات الإيرانية، بما في ذلك صادراتها من السجاد. إذ سيعاد فرض عقوبات من جديد ضد إيران على مرحلتين في 7 آب/أغسطس و5 تشرين الثاني/نوفمبر. وتستهدف الحزمة الأولى قدرة إيران على شراء الدولارات، وصناعات رئيسية تشمل السيارات وصناعة السجاد التي توظف مئات الآلاف من الإيرانيين. فيما يتوقع أن تكون المرحلة الثانية التي سيتم خلالها حظر مبيعات الخام الإيرانية هي الأشد تأثيرا، رغم أن دولا عدة بينها الصين والهند وتركيا أشارت إلى أنها غير مستعدة للتوقف بشكل كامل عن شراء النفط الإيراني. وفي إطار سياسة التصعيد صرح ترامب أنه يريد اتفاقا جديدا مع إيران يتجاوز تقييد برنامجها النووي ليضع حدا لما تعتبره واشنطن "تأثير (طهران) المؤذي" في المنطقة، بما في ذلك دعمها للرئيس السوري بشار الأسد وتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يعد من أهم الممرات البحرية للنفط. عقوبات على اقتصاد منهك هذه الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية يمكن أن تلقي بثقل كبير على الاقتصاد الإيراني. خاصة وأن العملة الوطنية، الريال، وصلت في الآونة الأخيرة إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار في السوق الموازية. وانخفض الريال الإيراني إلى أقل مستوياته أمام الدولار ليصل إلى 100 ألف ريال مقابل الدولار وسط أزمة اقتصادية متزايدة. ويأتي ذلك رغم مساعي السلطات الإيرانية لوضع سعر ثابت رسمي قدره 42 ألف ريال مقابل الدولار وتنفيذها حملة على السوق السوداء. في إطار خطة وصفها المحللون بالكارثية. والأحد الماضي أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني أن إيران اتخذت إجراءات أكثر مرونة للتعامل مع تراجع العملة وتأثير العقوبات من خلال تخفيف قواعد صرف العملات الأجنبية والسماح باستيراد غير محدود ودون ضرائب للعملات والذهب وإعادة فتح مكاتب صرف العملات. وفي إجراء استباقي عشية استئناف العقوبات الأمريكية ضد طهران، تزودت شركة الطيران الإيرانية الأحد بخمس طائرات لتجديد أسطولها. خاصة وأن قطاع الطيران سيخضع انطلاقا من السادس من آب/أغسطس الجاري للعقوبات الأمريكية على غرار عدة قطاعات كقطاع السيارات والمعاملات المالية وتصدير المواد الخام كالألمنيوم والحديد والمعادن الثمينة. ورغم أن بعض الشركات الأوروبية أعربت عن استعدادها للبقاء في البلاد إلا أن شركات أخرى متعددة الجنسيات مثل "بيجو" و "سيتروين" و"توتال" قد استعدت لمغادرة إيران خوفا من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية. مخاوف الإيرانيين ويخشى الإيرانيون الذين يواجهون التضخم المالي منذ سنوات عديدة من ارتفاع إضافي في الأسعار خلال الأيام المقبلة. فأمام تراجع عملتهم أصبحوا يلجؤون إلى الدولار كسبيل آمن للاحتفاظ بمدخراتهم، أو كفرصة للاستثمار إذا ما استمر هبوط الريال. توتر في الشارع الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية هذا وازدادت حدة التوتر في البلاد، فقد اندلعت مظاهرات في عدد من مدنها مثل كرج وشيراز وأهواز... وشملت أيضا مدنا سياحية مثل أصفهان وطهران. ونشرت أشرطة فيديو عديدة على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر هذه الاحتجاجات، من بينها احتجاجات قادها رجال دين. وتعكس الاحتجاجات التوتر المتصاعد بين المحافظين والإصلاحيين على خلفية السخط الاجتماعي. وقبل ساعات من الموعد النهائي لتجديد العقوبات تهافت الناس على محطات الوقود وغيرها للتزود بما يحتاجونه. ماهي النتائج المحتملة؟ يرى الخبراء عددا من النتائج المحتملة للسياسة الأمريكية الحالية تجاه إيران. فبإمكان العقوبات والضغوط الدبلوماسية أن تراكم ما يكفي من الضغط على النظام لدفعه للتفاوض، وهو أمر يأمل به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فبعد شهور من التصريحات الهجومية، فاجأ ترامب المراقبين الأسبوع الماضي عندما عرض عقد لقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني "في أي وقت" ودون شروط مسبقة. كما أن بإمكان الأزمة المالية في إيران أن تتفاقم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاحتجاجات، ما قد يجعل بقاء النظام في السلطة أمرا صعبا ، مع أن الضغوطات الاقتصادية تحمل كذلك خطر تعبئة المشاعر المعادية للولايات المتحدة وحشد الدعم للمتشددين. وهناك احتمال كذلك بأن يبدأ النظام الإيراني بالتراجع مع ما تعتبره واشنطن "تأثيره المؤذي" في المنطقة بما في ذلك دعمه للرئيس السوري بشار الأسد وتهديداته بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يعد من أهم الممرات البحرية للنفط. وفي هذا السياق، يقول محللون"إن إدارة ترامب ستكون راضية عن أي من هذه النتائج". فرانس24 نشرت في : 06/08/2018
مشاركة :