في بداية مسلسل نزيف أسعار النفط تحدث محللو الطاقة في بعض وسائل الإعلام العالمية بأن سبب السعودية من تخفيض أسعار النفط سياسي بحت اتخذته تجاه روسيا وإيران، وبعد فترة قصيرة أعادوا تحليل الواقع مشيرين إلى أن الهدف مزدوج في شقه السياسي التأثير على المداخيل النفطية لروسيا وإيران وفي جانبه الاقتصادي تدمير صناعة النفط الصخري والإضرار بمصالح شركة شل، واكتفت السعودية بالتصريح في وقت سابق بأن الهدف اقتصادي، ولم يقتنع البعض بالرواية السعودية. خلال الأيام القليلة الماضية بدأ محللو الطاقة استيعاب أبعاد الخطوة السعودية في تخفيض أسعار الطاقة وأنها تتخذ عدداً من المناحي الإيجابية تصب في مصلحة السعودية من خلال المحافظة على حصتها السوقية، والدول المستهلكة للطاقة وكذلك الاقتصاديات الصاعدة وربما تصريح وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي والذي أشار إلى أن الخطوة اتخذت للمحافظة على الحصة السوقية للسعودية ولدول منظمة أوبك ساهم في استيعاب مختلف أبعاد تلك الخطوة، وبدأ المحللون والصحف العالمية في قراءة مختلفة للواقع، حيث أشار المحلل مايكل ليفي من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي لموقع بيسنس إنسايدر الأمريكي إلى أن الأسباب التي قادت المملكة إلى تخفيض أسعار النفط تجعل منها عقلاً مدبراً لقصة الطاقة العالمية، بينما أوضحت صحيفة الفايننشل تايمز البريطانية العريقة عن التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار النفط على اقتصاديات عدد من الدول منها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وكذلك اليابان والصين، وحتى لا يفهم القارئ الكريم أن الاقتصاد السعودي لن يتأثر بانخفاض أسعار النفط بل سيتأثر ولكن بشكل محدود التأثير نظراً لبناء الاحتياطيات على مدى السنوات الماضية، وبالطبع التذبذب في أسعار النفط يعطي إشارة مهمة وعاجلة إلى أهمية تنويع مصادر الدخل الوطني، والأمل في تحقيق ذلك كبير حيث إن خطوة تخفيض أسعار النفط لم تتخذها الدولة بشكل منفرد وإنما بعدد من الإجراءات التنظيمية الداخلية الأخرى. في الداخل لابد أن يلمس المواطن أثراً إيجابياً لانخفاض أسعار النفط من خلال انخفاض تكلفة الشحن الناجم عن انخفاض أسعار الطاقة والتي كانت ذريعة لرفع الأسعار في وقت مضى، ومن جانب آخر ارتفاع سعر الدولار لأرقام قياسية سيخفض أسعار السلع المستوردة من دول منطقة اليورو والصين واليابان وغيرها وهذا يتطلب من وزارة التجارة ووزيرها المخلص ضبط أسعار الأسواق والتأكد من انخفاض أسعار السلع. إذن إستراتيجية النفط السعودية أعادت المملكة إلى خرائط صناع القرار في العالم ليست كواحدة من أكبر مصدري النفط في العالم أو كعامل مؤثر في استقرار إمدادات النفط فحسب بل كصانع رئيس لسياسات الطاقة في العالم وهو ما أدركه المحللون متأخراً، فالنفط السعودي لا يتم استخدامه كمصدر دخل وطني فقط بل أكبر من ذلك بكثير إنه مصدر مهم للقوة الناعمة السعودية.
مشاركة :