دَخَلَ ملف تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان «استراحة المُحارِب» بعدما وَضَعَ مختلف الأفرقاء «أوراقهم» و«الفيتوات» على طاولةِ التفاوضِ الشائك لتُترك «طاحونة الهواء» الحكومية بانتظار «رياح الفَرَج» التي قد تهبّ «على البارد» أو... على الحامي. وفيما تتعاطى غالبية القوى مع أغسطس على أنه سينضمّ إلى يونيو ويوليو ليشكّل الشهر الثالث في حلقة المراوحة التي يصعب التكهّن بمداها، فإن بيروت، التي تراقب باهتمام المسار المتشدّد من واشنطن تجاه طهران التي باتت في مرمى رزمة من العقوبات التي عاودت الولايات المتحدة فرْضها بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، تبدو عالقة بين حدّيْن: الأول واقعٌ إقليمي متحوّل عنوانُه الإيرانيّ تضييق الخناق على الجمهورية الإسلامية لـ«خنْق» نفوذها في المنطقة وعنوانُه السوريّ «عودة الحياة» إلى نظام الرئيس بشار الأسد. والحدّ الثاني وضْع داخلي تتشابك فيه الأزمات بدءاً من الملف الحكومي وليس انتهاءً بسلّة قضايا اقتصادية ومعيشية باتت تأخذ حيزاً واسعاً من الشأن اللبناني ويشي بعضها بأن يتحوّل «فتائل» في «معركة التأليف».وبدأتْ أوساط سياسية مطلعة تطرح علامات استفهام حول مدى إمكان تَصوُّر استيلاد الحكومة الجديدة بمعزل عن حسابات طهران في ملاقاة «الاندفاعة الخشنة» الأميركية المتجدّدة تجاهها، كما عن حسابات النظام السوري الساعي لإبراز استرجاع «قواه الديبلوماسية - السياسية» في العلاقات مع الخارج انطلاقاً من المسرح اللبناني، سواء عبر انتزاع تطبيعٍ رسمي مبكّر أو تصفية حسابات مع خصوم مرحلة «الانتفاضة» بوجه الوصاية السورية التي انفجرت العام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.وإذا كانت الأوساط المطلعة ترى أن أفق الردّ الإيراني على «الهجمة الأميركية» بات واسعاً جداً وسبق أن شكّلت «منازلة باب المندب» إحدى ساحاته المبكّرة ذات الأبعاد الاستراتيجية، فإنّها لا تقلّل من تأثيرات معاودة واشنطن اعتماد سياسة «العصا» مع طهران وتداعياتها على الملفّ اللبناني الذي يختزله هذه الفترة استحقاق تأليف الحكومة التي يُعتبر الرئيس المكلف تشكيلها سعد الحريري أحد عناصر ما تبقى من التوازن الاقليمي - الدولي في الواقع اللبناني، هو وحليفه حزب «القوات اللبنانية» ويتقاطع معهما زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. علماً أن الطرفيْن الأخيريْن هما عنوانا عقدتيْن رئيسيتين في مسار التشكيل: الأولى (القوات) من باب رفْض فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منْحها تمثيلاً في الحكومة يعتبره «منفوخاً» ويريده ألّا يتجاوز 3 وزراء، والثاني (التقدمي) من بوابة الاعتراض على منْحه «الفتيو الميثاقي» من خلال حصْر التمثيل الدرزي به.وفيما تزداد في بيروت إشارات «تصويب» فريق عون على «يد خارجية» وتحديداً سعودية في تأخير ولادة الحكومة، يرتفع منسوب المناورات تحت عنوان حكومة الأكثرية أو حكومة الأمر الواقع غير الممكنتيْن في ظل «صمود» الحريري على معاييره لحكومةٍ بتوازنات التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي وعلى قرار «لن أعتذر». ومن آخِر «سيناريوات» هذه المناورات الكلام عن بدء تسويق طرْح إما حكومة وحدة وطنية بمعيار واحد يراعي نتائج الانتخابات النسبية واما ليشكل الحريري حكومة أكثرية فيمضي تكتل «لبنان القوي» (الكتلة البرلمانية لعون) إلى المعارضة، وهو ما اعتُبر في سياق محاولات دفْع الحريري إلى صيغ حكومية مكتوبة قبل التوافق عليها قد تجرّه إلى حكومةٍ لا تنال الثقة في البرلمان فيُسحب تالياً التكليف منه أو تعاد تسميته بشروط الآخرين وبموازين ليس أقلّها حصول «حزب الله» وحلفائه وبينهم «التيار الحر» على غالبية الثلثين التي تعني تَحكُّمهم في مجلس الوزراء بكل القرارات الكبرى بعد إمساكهم بالغالبية في البرلمان.وفي حين كان «الجمود القاتل» كما وصفتْه أوساط رئيس البرلمان نبيه بري يسود جبهة التأليف وسط تسجيل الحريري نشاطاً تَركّز على استقبال وزيرة الدفاع الإيطالية اليزابيتا ترنتا التي وصلت أمس الى بيروت، انشغلتْ دوائر مراقبة بالحادث الذي حصل في بلدة مجدل زون (جنوب لبنان) قبل 3 أيام حيث طارد الأهالي دورية تابعة للوحدة السلوفاكية العاملة في قوة «اليونيفيل» الدولية بحجة عدم امتثال عناصرها لطلبهم مغادرة الأحياء ووقف التصوير، وحين ردّ عناصر الدورية بإطلاق النار في الهواء، أوقف الأهالي الآلية وصادروا أسلحة أفرادها وآلة التصوير، قبل أن يضرموا النار في الآلية، وفق ما أوردتْه صحيفة «الاخبار». وما جعل هذا الحادث يكتسب أهمية بارزة، أنه غالباً ما شكّلت «اعتراضات الأهالي» على دوريات «اليونيفيل» واجهة لرسائل سياسية جاءت هذه المرة عشية تولي الجنرال الإيطالي ستيفانو دل كول اليوم منصب القائد الجديد للقوة الدولية خلفاً للجنرال الإيرلندي مايكل بيري الذي سبق ان اتّهمه فريق «8 آذار» وإعلامه بالانحياز لاسرائيل وصولاً إلى رفْض الرئيس بري استقباله خلال جولته الوداعية على المسؤولين كونه «غير مرغوب فيه».
مشاركة :