«المعلم الثالث».. جوجل يحتفي بذكرى ميلاد ابن سيناء

  • 8/8/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يحتفي موقع جوجل اليوم الثامن من أغسطس، بالذكرى الـ1038 لميلاد ابن سينا، الذي لقب بالشيخ الرئيس والمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، كما عرف بأمير الأطباء وأرسطو الإسلام.كثير من الباحثين والكتاب تناول ابن سينا وفلسفته ومكانته في الطب وغيرها من أفرع العلوم التي تناولها ابن سينا وكتب فيها، إلا أن هناك جانبا مهملا اهتم به ابن سينا وهو جانب التصوف، والذي إذا ما انتقلنا إليه نجد جذوره المتعددة من تأثير الفارابي وأفلوطين والمدرسة الأفلاطونية المحدثة، حيث كان المأثور الصوفي على درجة عظيمة من الحيوية في الوسط الاجتماعي والثقافي الذي عاش فيه ابن سينا.ففي الفصل الأول من كتاب "الإشارات والتنبيهات"، يصف ابن سينا بمنتهى الدقة مقامات الارتفاع الصوفي، فهناك أولا مقام الجهد الشخصي والإرادة المتمحورة حول مجاوزة الذات، ويتلوه مقام تنسكي يتضمن العزوف عن التعلق بكل ما هو جائز ومحتمل، والتطهر _ النفسي والعقلي معا، والتركيز في التأمل، فإذا اكتمل المقام التنسكي أمكن للمريد أن يعتبر أن زمام نفسه بات طوع يديه، فيستطيع بالتالي أن ينتقل نحو ممارسة المعاينة الصوفية بحصر المعنى.وابن سينا يفصل تفصيلا كثيرا في وصفها، وإذا اقتدر المريد ان ينذر نفسه كلها لله وان يواصل في الحياة العادية سلوكه كعضو نافع في المجتمع، فقد تقترن المعاينة ب "الخوارق"، وقد أبدى عدد من الدارسين دهشة من اعتماد ذلك المتصوف على الوسيلة الجدلية ليترجم بمعنى ما تجربة التصوف إلى لغة العقل، غير أن بعض الصفحات التصوفية لدى ابن سينا يترجع فيها لا صدى التجربة المعاشة فحسب، بل كذلك صدى التجربة المعاشة فحسب، بل كذلك التجربة المتحكم بها.فكتاب ابن سينا "الاشارات والتنبيهات" يمتاز بسمو أسلوبه وعمق أفكاره وتعبيره عن آراء ابن سينا الخالصة التي لا تشوبها نظريات المدارس الأخرى. وقد وقف صاحبه الجزء الأخير منه على الأبحاث التصوفية، ويقع في نحو خمسين صفحة تعد من أحسن ما خلفته المدرسة الفلسفية الإسلامية في هذا الباب. فقد أخذ ابن سينا على حسب عادته أفكار الفارابي وفصل القول فيها وعرضها عرضًا مسهبًا مرتبًا. فهو يحدثنا عن (التجريد) و(البهجة والسعادة) و(مقامات العارفين) و(أسرار الآيات) ويشرح نظرية الاتصال شرحًا مستفيضًا. وهذا هو القدر الذي جمعه وترجمه مهرن إلى الفرنسية ونشره تحت عنوان: وهاكم نموذجًا من حديث ابن سينا العذب ولغته السامية التي تترجم عن معان سبقه بها الفارابي، يقول: "إن للعارفين مقامات ودرجات يخصون بها في حياتهم الدنيا دون غيرهم. فكأنهم في جلاليب من أبدانهم قد نضوها وتجردوا عنها إلى عالم القدس. ولهم أمور خفية فيهم، وأمور ظاهرة عنهم، يستنكرها من ينكرها، ويستكبرها من يعرفها، ونحن نقصها عليك.. العارف يريد الحق الأول لا لشيء غيره ولا يؤثر شيئًا على عرفانه، وتعبده له فقط؛ لأنه مستحق للعبادة ولأنها نسبة شريفة إليه، لا لرغبة أو رهبة.. العارف هشّ بشّ بسّام يبجل الصغير من تواضعه مثل ما يبجل الكبير، وينبسط من الخامل ما ينبسط من النبيه. وكيف لا يهش وهو فرحان بالحق وبكل شيء فأنه يرى فيه الحق. وكيف لا يسوي والجميع عنده سواسية؟.. العارف لا يعنيه التجسس والتحسس، ولا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما تعتريه الرحمة فإنه مستبصر بسر الله في القدر. وإذا أمر بالمعروف أمر برفق ناصح لا بعنف مُعَير. وإذا جسم المعروف فربما غار عليه من غير أهله. العارف شجاع، وكيف لا وهو بمعزل عن تقية الموت؟ وجواد، وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل؟ وصفَّاح، وكيف لا ونفسه أهون من أن تحرجها زلة بشر؟ ونساء للأحقاد، وكيف لا وذكره مشغول بالحق".فتصوف ابن سينا لا يختلف إذن عن تصوف الفارابي في شيء، وسيلتهما وغايتهما متحدتان. يقول البارون كارادي فو: (لا يبدو التصوف عند ابن سينا إلا في آخر المذهب كتاج له، وهو متميز تمامًا من الأجزاء الأخرى؛ وابن سينا يدرسه دراسة فنية كأنه فصل من الفلسفة يشرحه شرحًا موضوعيًا، وبالعكس ينفذ تصوف الفارابي إلى كل شيء، والألفاظ الصوفية منتشرة في كل ناحية من مؤلفاته؛ ونشعر جيدًا أن التصوف ليس مجرد نظرية اعتنقها، بل حالًا نفسية).ونحن نسلم مع البارون أن تصوف الفارابي - على عكس ابن سينا - يعبر عن عاطفة صادرة من القلب، وحياة الرجلين تشهد بذلك، ولكنا نرفض من الناحية النظرية أن يكون ثمة فرق بين تصوف التلميذ وتصوف الأستاذ، كلاهما يعتمد على أساس واحد، ويشغل مكانًا متعادلًا في مذهبيهما؛ وكل ما هنالك من تباين هو وضوح ابن سينا وطريقته التعليمية المنظمة التي يدرس بها المسائل على اختلافها. وأما الألفاظ الصوفية فقد لاحظنا آنفًا أنها أكثر لدى ابن سينا منها عند أستاذه.

مشاركة :