بعيداً من القاهرة بصخبها وضجيجها، وفي أقصى الشمال الشرقي لمصر، تقبع شبه جزيرة سيناء. وعلى رغم كل ما يتداوله الإعلام عنها من أخبار حالياً، عن دوي انفجارات ومهاجمة لأوكار الإرهابيين، استطاع عدد من سكان سيناء نشر فنهم البدوي الأصيل في أرجاء مصر. هم أعضاء فرقة «الجركن» البدوية التي استطاعت انتزاع إعجاب محبي الفن الفولكلوري في كل المهرجانات العالمية التي شاركت فيها، وأهمها «وومار» و «وماكس» و «غلاستونبري». يقول جمعة غنايم، مغني الفرقة الذي مُنح في إنكلترا لقب «صوت الصحراء»، إن الفرقة عرفها العالم قبل أن يعرفها المصريون. ويعزو ذلك إلى طبيعة الغناء البدوي السيناوي (نسبة إلى سيناء) الذي لا مثيل له في العالم كله. كما تتميز الفرقة بآلاتها المختلفة، وبخاصة استخدامها «الجركن» وصندوق الذخيرة. ويوضح يحيى الشوربجي، عازف الناي في الفرقة، أن تسمية الفرقة «الجركن» ترجع إلى استخدام الفرقة في إيقاعاتها «جركن» (Jerry can) البنزين وصندوق الذخيرة اللذين كانا يستخدمهما الجنود الإسرائيليون عندما كانوا يحتلون سيناء. ثم حصلت عليها الفرقة من مخلفات «حرب أكتوبر» واستخدمها أعضاء الفرقة «نكاية بإسرائيل»، وهي حتى الآن مدوّن عليها عبارات باللغة العبرية محفورة على «الجركن» وصندوق الذخيرة. ويقول الشوربجي إن الفرقة عرضت فنونها داخل مصر في أماكن كثيرة، على رأسها الأوبرا وساقية الصاوي والمركز الثقافي الفرنسي في القاهرة والاسكندرية و «جيزويت اسكندرية» و «مسرح الضمة» الذي تعرض فيه الفرقة في صورة منتظمة مرة شهرياً، وأخيراً «مسرح جنينة» التابع لمؤسسة «المورد الثقافي». وإلى «جركن» البنزين وصندوق الذخيرة، تستخدم الفرقة بعض الآلات مثل المجرونة، وهي آلة نفخ خشبية ذات مخرجين. كما تستخدم السمسمية البدوية، والتي يعزف عليها جمعة غنايم، فيما يعزف المغني خالد الشعراوي على الإيقاع مستخدماً الطبلة العادية. ويجيد غالبية أعضاء الفرقة العزف على آلات كثيرة إلى جانب الرقص والغناء، ما يبهر الجمهور في أنحاء العالم خلال جولاته الفنية. ويلفت مؤمن غريب، وهو مغنٍ في الفرقة، إلى أن الارتجال هو سمة مميزة للغناء البدوي على رغم أن للبدو أغانيهم المحفوظة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ويغنون فيها لجِمالهم الوفية وللعشاق، ومن أهمها: «عم يا جمال» و «يا دروبي» و «أحبابنا» و «بس أنا والعود». ويوضح مؤسس الفرقة زكريا إبراهيم أن الغاية من تأسيس الفرقة كانت «البحث في فسيفساء الموسيقى الشعبية المصرية، وبالطبع كان لا يمكن إغفال موسيقى صحراء سيناء، بما تمثله هذه المنطقة في الوجدان الجمعي للمصريين». من هنا، تتكوّن الفرقة من قبائل مختلفة، من العريش وصحراء سيناء ومن قبائل السواركة والقويطات وقبائل أخرى، وذلك لإحداث تنوع في المنتج الفني الذي تقدمه. ويشير إبراهيم إلى أنه من الأدوار المهمة التي تضطلع بها فرقة «الجركن» البدوية إظهار الحضارة والثقافة السيناوية جزءاً مكملاً لبقية الثقافات المحلية المصرية مثل النوبة والصعيد والدلتا...
مشاركة :