تعمل الخلايا السرطانية بفاعلية أقل وتتراجع قدرتها على التكاثر عندما تصبح بيئتها الداخلية أكثر حموضة. كانت هذه هي الخلاصة التي توصل إليها باحثون من الولايات المتحدة وإسبانيا بعدما استخدموا نموذجاً على الكمبيوتر بغية دراسة الحالات التي تؤثر في مسارات الخلايا السرطانية الأيضية المختلفة. أظهر الباحثون أخيراً أن الخلايا السرطانية تحتاج إلى بيئة داخلية قلوية أكثر من الخلايا الصحية كي تسير عمليتها الأيضية بالشكل الصحيح. أسهم نموذج على الكمبيوتر في تحديد بعض الإنزيمات التي تعمل في البيئة القلوية بفاعلية أكبر على تعزيز السرطان. قد يؤدي هذا الاكتشاف إلى علاجات جديدة للسرطان تستهدف هذه الجزيئات، حسبما يشير تقرير نُشر أخيراً في مجلة Nature Communications. يوضح ميكيل دوران-فريغولا، باحث شارك في إعداد تقرير الدراسة وعالم كيمياء محوسبة في معهد أبحاث الطب الحيوي في برشلونة بإسبانيا: «لا يزال هذا العمل أكاديمياً جداً. إلا أننا نعتقد أن بعض الأهداف المحددة جاهز للاختبار على الحيوانات، ما يتيح لنا الانتقال إلى مرحلة التجارب ما قبل السريرية الأكثر تقدماً». علم أحياء الأنظمة تُعتبر هذه الدراسة مثالاً لنوع الأبحاث التي يشهدها مجال علم أحياء الأنظمة، الذي يستخدم نماذج محوسبة متطورة وقواعد بيانات كبيرة بغية مساعدتنا في فهم «مبادئ الحياة التنظيمية». جمع الباحثون معاً كماً كبيراً من البيانات الجينية والكيماوية الحيوية بهدف تطوير نموذج جزيئي عن عملية أيض الخلايا السرطانية. استخدموا هذا النموذج لاختبار رد فعل «نحو ألفي إنزيم أيضي» تجاه التغييرات في مستوى الحموضة الداخلي في الخلية. يشير مقياس الأس الهيدروجيني (pH) إلى درجة الحموضة. في البيئة الحمضية، يتراجع هذا المقياس ويرتفع في البيئة القلوية. أما في البيئة المتعادلة (لا حمضية ولا قلوية)، فيبلغ مقياس الأس الهيدروجيني 7. تتمتع الخلايا السليمة ببيئة داخلية قلوية بعض الشيء يبلغ الأس الهيدروجيني فيها 7.2. أما الخلايا السرطانية، فتملك بيئة أكثر قلوية مع تخطي الأس الهيدروجيني داخلها 7.2. يشير الباحثون: «بإعادة بناء نماذج أيضية على نطاق الجينوم خاصة بالخلايا وتضمينها معلومات عن النشاط الإنزيمي المعتمد على الأس الهيدروجيني، طورنا منهجية محوسبة تستكشف كيفية تأثير معدل الأس الهيدروجيني داخل الخلية في عملية الأيض». نتائج واعدة أظهر الفريق باستخدامه النموذج المحوسب أن الخلية السرطانية تواصل تكاثرها ما دام داخلها مائلاً إلى القلوي. كذلك عززت هذه الحالة وظائف أخرى تعتمد عليها الخلية، مثل «تحلل السكر والتكيف مع نقص التأكسج». لكن الأس الهيدروجيني الأدنى الأكثر حموضة في الخلية السرطانية «عطّل عمليات التكيف هذه وأوقف نمو الخلية السرطانية»، حسبما لاحظ الباحثون. استخدم الباحثون أيضاً هذا النموذج بغية تحديد الأهداف الأيضية التي أعربت عن «تأثيرات متوقعة مضخَّمة مضادة للسرطان» عندما باتت البيئة داخل الخلية السرطانية أكثر حموضة. وأدى بعض هذه الأهداف إلى نتائج واعدة عند اختباره على خلايا سرطان ثدي فعلية. يختم دوران-فريغولا: «يمنحنا فهم الرابط بين المسارات الأيضية التي تعمل بشكل أفضل في ظل درجات حموضة متفاوتة فكرة عن الآليات التي يستخدمها السرطان للاستمرار مع بيئة قلوية».
مشاركة :