شهدنا أخيراً طفرة في تطبيقات تدريب الدماغ المخصصة لشتى أنواع الهواتف الذكية المتوافرة، لذا لا بد من السؤال: هل تحمل ألعاب تدريب الدماغ فوائد معرفية حقيقية؟ هذا ما تناولته دراسة جديدة. يستخدم عشرات الملايين حول العالم تطبيقات تدريب الدماغ، مثل Lumosity أو Elevate. ولكن عند التدقيق فيها علمياً، يتبين أن فوائدها مثيرة للجدل. على سبيل المثال، كشف عدد من الدراسات أن ألعاب تدريب الدماغ تحسّن «الوظائف التنفيذية، والذاكرة العاملة، وسرعة المعالجة» لدى الشباب، في حين نادت دراسات أخرى بفوائد ألعاب مماثلة في الحفاظ على صحة المسنين المعرفية. ولكن في الجهة المقابلة من الجدل، نرى الدراسات التي لم تتوصل إلى فوائد مماثلة. مثلاً، راقب تقرير نُشر السنة الماضية نشاط الدماغ، والمهارات المعرفية، وقدرات اتخاذ القرارات لدى مجموعة من البالغين الشباب، واستخلص أن ألعاب تدريب الدماغ «لا تعزز المقدرات المعرفية». تدعم اليوم الدراسة الجديدة المعسكر الثاني. قرّر علماء أعصاب من جامعة ويسترن في أونتاريو بكندا التحقق مما إذا كان بالإمكان تحويل الفوائد المعرفية التي نجنيها من مهام تدريب الدماغ إلى مهام أخرى لم يتدرب عليها المستخدمون بالتحديد إنما تنشط مناطق الدماغ ذاتها. تولى بوبي ستويانوسكي، عالم أبحاث في معهد الدماغ والعقل في جامعة ويسترن، الإشراف على وضع تقرير الدراسة الذي نُشر في مجلة Neuropsychologia. اختبار الفوائد يوضح ستويانوسكي وزملاؤه في تقريرهم أن الجدل القائم حول فوائد تطبيقات تدريب الدماغ المعرفية يعود في المقام الأول إلى واقع أن معظم الدراسات لم يختر المهارات المعرفية وأساليب قياس النتائج المحددة بطريقة متوافقة. بغية تصحيح هذا الوضع، اتبع الباحثون «مقاربة تدريب مستهدفة» تدرب بموجبها 72 مشاركاً على «مهمتين مختلفتين إنما مترابطتين تُعنيان بالذاكرة العاملة». تشير الذاكرة العاملة إلى قدرة الدماغ على الاحتفاظ بمعلومات جديدة، مثل لعبة جديدة، أو لائحة مشتريات، أو رقم هاتف، لمدة وجيزة. خضع المشاركون لتجربتين. اختبرت الأولى مقدرات ذاكرتهم العاملة في مهمة معينة تدربوا عليها. أما التجربة الثانية، فامتحنت ذاكرتهم هذه في مهمة أخرى مرتبطة بالأولى، إلا أن المشاركين لم يتدربوا عليها بالتحديد. ونشطت التجربة الثانية مناطق الدماغ ذاتها كما الأولى. بالإضافة إلى ذلك، قارن الباحثون النتائج التي توصلوا إليها بنتائج مجموعة ضبط لم تتلقَّ أي تدريب مطلقاً، علماً بأن المشاركين في هذه المجموعة لم يخضعوا إلا للتجربة الثانية. النوم والتمرّن والأصدقاء اكتشف فريق البحث أن العلامات العالية التي سجلها المشاركون في اللعبة الأولى لم تحسّن أداءهم في اللعبة الثانية. يوضح ستويانوسكي: «افترضنا أنك إذا برعت كثيراً في الاختبار الأول بالتدرب المطوّل، فربما يتحسّن أداؤك في الاختبارات المشابهة. لكننا لم نتوصل للأسف إلى أي دليل يدعم هذا الافتراض». يشير الباحثون: «رغم ساعات من تدريب الدماغ على تلك اللعبة، لم يحقق المشاركون أداء أفضل في اللعبة الثانية، مقارنة بمن شاركوا في الاختبار الثاني من دون أن يتدربوا على الأول». يضيف ستويانوسكي: «من وجهة نظر المستهلك، قد تسمع إعلاناً يقول: مارس تدريب الدماغ: قم بهذا الأمر لنصف ساعة كي تتمتع بمعدل ذكاء أعلى. هذا أمر مريع جداً. لا أدلة للأسف تدعم هذا الادعاء». ولكن ثمة طرائق أخرى يمكنك اتباعها لتحافظ على مهاراتك الفكرية. يذكر الباحث المشرف على تقرير الدراسة: «تمتع بنوم أفضل، وتمرن بانتظام، واتبع نظاماً غذائياً صحياً، وثقّف نفسك: هذه المسائل التي يجب أن نركّز عليها». يختم: «إذا كنت تسعى إلى تحسين مقدراتك المعرفية، فلا تمضِ ساعة في التسلي بلعبة فيديو أو القيام باختبار لتدريب الدماغ بل انطلق في نزهة، أو اركض قليلاً، أو استمتع برفقة صديق. فهذه أكثر فائدة لك».
مشاركة :