وسط تراجع العملة الروسية إلى أدنى مستوى منذ سنتين، ومع توقعات بتأثيرات سلبية على صناعات الفضاء والطيران وقطاع الطاقة، نددت موسكو بحزمة عقوبات جديدة فرضتها عليها واشنطن، على خلفية تسميم العميل الروسي السابق المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا، في سالزبوري البريطانية في آذار (مارس) الماضي. وشدد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على رفض العقوبات الأميركية «غير القانونية وغير الودية»، معتبراً انها «لا تنسجم مع الأجواء البنّاءة» التي ميّزت القمة التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في هلسنكي الشهر الماضي. وأضاف أن «من الباكر الردّ على العقوبات، قبل أن نفهم بالتحديد ورسمياً ماذا يجري، والحديث عن ردود محددة في هذه الحالة سيكون خاطئاً»، معرباً عن أمله بمواصلة الحوار مع واشنطن وبإقامة «علاقات بنّاءة معها». وصفت السفارة الروسية في واشنطن العقوبات الأميركية الجديدة بأنها «قاسية»، معتبرة انها استندت الى «اتهامات منافية للمنطق باستخدام غاز الأعصاب نوفيتشوك ضد مواطن بريطاني». وجدّدت دعوة وجّهتها موسكو الى إجراء تحقيق مفتوح وشفاف في واقعة التسميم، وأضافت: «اعتدنا عدم سماع أي حقائق أو أدلة». جاء ذلك بعدما أعلنت الخارجية الأميركية العقوبات، من دون أن تكشف تفاصيلها رسمياً، لكنها ربطتها بتسميم سكريبال وابنته بغاز الأعصاب «نوفيتشوك». وقال مسؤول في الوزارة إن العقوبات تشمل حظر بيع روسيا تكنولوجيا «حساسة يخضع التعامل فيها لضوابط الأمن القومي، علماً أنها مشابهة لتلك المُستخدمة في الأجهزة الإلكترونية ومعدات المعايير، وهي تقنيات كان يُسمح ببيعها، كل حالة على حدة. وأضاف ان هذه العقوبات قد تشمل صادرات بمئات الملايين من الدولارات إلى روسيا، علماً أن مصادر روسية وغربية تحدثت عن معدات وأدوات يمكن استخدامها في الصناعات العسكرية، وتهدّد الأمن القومي الروسي. ولم يستبعد منع شركات الطيران الروسية من الهبوط في المطارات الأميركية، أو تجميد العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين. وقالت ناطقة باسم الخارجية الأميركية: «تأكّدت الولايات المتحدة في 6 آب (أغسطس)، وفقاً لقانون القضاء على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ومراقبتها الصادر في عام 1991، من أن الحكومة الروسية استخدمت أسلحة كيماوية وبيولوجية، في خرق للقوانين الدولية، أو استخدمت أسلحة كيماوية أو بيولوجية فتاكة ضد مواطنيها». وأضافت أن القانون الأميركي ينصّ على فرض عقوبات اقتصادية، ستُطبّق في 22 الشهر الجاري، من دون أن توضح طابعها. ورحّب ناطق باسم الحكومة البريطانية بالتدابير الأميركية، معتبراً أن «رداً دولياً قوياً على استخدام الأسلحة الكيماوية في شوارع سالزبوري، يوجّه لروسيا رسالة لا لبس فيها بأن سلوكها المتهوّر لن يبقى من دون عقاب». ويُجمع خبراء على أن العقوبات الجديدة توجّه ضربة مؤلمة للاقتصاد الروسي، ويمكن أن تطاول قطاعات مهمة، مثل الفضاء والطيران والطاقة، والتي لا غنى فيها الآن عن الاستيراد من الولايات المتحدة. معلوم أن واشنطن دعمت لندن في ملف تسميم سكريبال، لكنها لم تفرض عقوبات على موسكو، مكتفية بطرد ديبلوماسيين. ويتكهّن خبراء بأن العقوبات الجديدة تشدّد قيوداً على قطاع الفضاء. وذكّر بعضهم بأن الولايات المتحدة كانت فرضت منذ العام 2014، على خلفية أزمة شرق أوكرانيا، قيوداً على تصدير أدوات ذات «استخدام مزدوج» إلى روسيا، لكنها حافظت على تعاونهما في قطاع الفضاء. وقال الأكاديمي في مجال الفضاء ألكسندر جيليزنياك، إن «الولايات المتحدة حاولت في عقوباتها الماضية إبعاد مشاريع مشتركة في مجال الفضاء» عن تلك التدابير، لافتاً إلى أن البلدين «يتعاونان في المحطة الفضائية الدولية وإيصال المؤن ورواد الفضاء إليها، والمحطة المدارية الواعدة للقمر، والأقمار الاصطناعية العلمية بين الكواكب». وتابع: «عملياً استُثني كل شيء يمكن استخدامه في شكل مزدوج، باستثناء المعدات اللازمة لتطوير هذه المشاريع». ورحّج أن تشمل حزمة العقوبات الجديدة «حظر تصدير معدات مهمة في صناعة الاقمار الاصطناعية والملاحة والاتصالات». وذكرت مصادر في هيئة الفضاء الروسية «روس كوسموس» أن العقوبات ستؤخر مشروع «رحلة القمر 25» التي كان يُنتظر إطلاقها العام المقبل، مرجّحة أن «تنطلق الرحلة عام 2021 في أفضل تقدير». وأوضح علماء في الفضاء أن العقوبات الأميركية عام 2014 قيّدت حصول روسيا على نظام ملاحي لا يتجاوز وزنه 1.5 كيلوغرام، فيما ما زالت تسعى إلى الاستعاضة عن النظام الأميركي، لكنها لم تنجح في صنع نظام ملاحي بديل وزنه 10 كيلوغرامات ويحتاج إلى 18 شهراً على الأقل. وتتعاون موسكو وواشنطن في مجال الفضاء، وقدّرت مصادر أميركية أن روسيا تستأثر بنحو نصف صادرات الولايات المتحدة إلى الخارج من المعدات ذات «الاستخدام المزدودج»، في برامج مدنية وعسكرية.
مشاركة :