إمام المسجد النبوي: اجتماع الحجاج يذكّر بفضل الأمة وعلو شأنها

  • 8/10/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تَحَدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، في خطبة الجمعة، عن فضل الحج بوصفه طاعة لله، وعملاً يتقرب فيه العبد إلى ربه، ابتغاء مرضاته وجنته، حاثاً على اغتنام الخير العظيم في أيام العشر من ذي الحجة بالطاعة وذكر الله وبذل الخيرات والإحسان وصلة الأرحام والصيام. وقال "القاسم": مواسم الخيرات تتجدد على العباد فضلاً من الله وكرماً؛ فما إن تنقضي شعيرة حتى تحل مكانها أخرى، وها هي طلائع الحجاج قد أمّت بيت الله العتيق، ملبين دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام. وأضاف: الحج عبادة في الإسلام عظيمة، فهو خامس الأركان ومن أجلّ الطاعات وأحبها إلى الله؛ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الأعمال أفضل قال: إيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) متفق عليه. وأردف: بالحج محو أدران الذنوب والخطايا؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: "والحج يهدم ما كان قبله" رواه مسلم، كما أن الحج طُهرة لأهله ونقاء، قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) متفق عليه. وتابع: الحج مجمع الإسلام الأعظم، يربط حاضر المسلمين بماضيهم ليعيش العباد أمة واحدة مستمسكين بدينهم، ولا طريق لذلك إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، والسير على منهج سلف الأمة، وفي الحج تتلاشى فواصل الأجناس واللغات والألوان وتضمحل، ويبقى ميزان التفاضل هو التقوى، قال تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وقال "القاسم": خير زاد يصحبه الحجاج في نسكهم التقوى، قال سبحانه: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}، ومن أَمّ البيت فحري به أن يلزم ورعاً يحجزه عن المعاصي، وحلماً يكفه عن الغضب، وحسن عشرة لمن يصحبه. وأضاف: أعظم ما يتقرب به العباد في حجهم، إظهار التوحيد في مناسكهم، وإخلاص الأعمال لله في قرباتهم، وإعلان وجدانية الله في الحج شعار أهله وبه شرفهم، قال سبحانه: {وأتموا الحج والعمرة لله}؛ وذلك بتكبير الله وتعظيمه أنيس الحجاج في طوافهم وسعيهم ورميهم ونحرهم، وليلهم ونهارهم؛ لتبقى القلوب متعلقة بالله نقية عن كل ما سواه. وأردف: الحج مدرسة لتحقيق الاتباع والتأسي بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فلا نسك ولا أي عبادة أخرى على التمام والكمال إلا ما فعله عليه الصلاة والسلام وكان على هديه، قال صلى الله عليه وسلم: (لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) رواه مسلم. وتابع: من مقاصد الحج العظمى إقامة ذكر الله والإكثار منه، قالت عائشة رضي الله عنها: "إنما جُعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله". وقال "القاسم": الحج طاعة تصحبها طاعات، مليء بالمنافع والعبر والآيات؛ ففيه إخلاص القلب لله تعالى، وتسليم النفس له عبودية ورقاً، قال شيخ الإسلام: "الحج مبناه على الذل والخضوع لله؛ ولهذا اختص باسم النسك"، وفي الحج يأتلف المسلمون وتقوى أواصر المحبة بينهم؛ فيظهر للخلق عظمة الإسلام وفضله، قال تعالى {وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}. وأضاف: في اجتماع الحجاج في موقف واحد، إعلام وتذكير بفضل هذه الأمة وعلو شأنها، وخير الحجاج أحسنهم خلقاً، وبه يكتسب العبد الصفات والأخلاق الحميدة، كما أن فيه توطين النفس على الصبر. وأردف: المسلم يعتز بدينه، وينأى بنفسه عن أفعال الجاهلية وسلوكهم، وفي الحج تأكيد على ذلك تلو تأكيد، قال ابن القيم: "استقرت الشريعة على مقصد مخالفة المشركين لا سيما في المناسك". وتابع: كل ساعة من العمر إن لم تقرب العبد من ربه؛ باعدته، والعباد في سعي حثيث إلى الله، ويتجلى للمرء ذلك في شعائر الحج ومناسكه، أن فرغ من عبادة؛ بادر بأخرى، وهكذا الشأن في حياته، والطاعة تزيد صاحبها افتقاراً لربه وإخباتاً، فيشهد فضل الله عليه بها ويستغفره على القصور والتقصير فيها قال تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}. وقال "القاسم": ثمرة الحج إصلاح النفس وتزكيتها، والظفر برضى الله تعالى والفوز بجنات النعيم، والموفق لذلك مَن أدى حجه بنية صالحة خالصة، وعلى علم وبصيرة، من نفقة طيبة حلال، وأحيا قلبه ولسانه بذكر الله، وصاحَب عبادته الإحسان إلى الخلق ونفعهم، ومن أحسن في حجه وابتعد عن قوادحه عاد منه بأحسن حال، وانقلب إلى أطيب مآل، وإمارة القبول فعل الحسنة بعد الحسنة وترك التفاخر والتعالي بالطاعة، ومن كف نفسه المحظورات في حجه؛ فحريّ به أن يكفها عن المعاصي في كل زمان ومكان. وأضاف: في الأيام العشر، يوم النحر فيها هو يوم الحج الأكبر، وكل عمل صالح فيها أحب إلى الله من العمل إن كان في غيرها. وأردف: يجب الإكثار فيها من ذكر الله وتلاوة كتابه العظيم، كما يُستحب في العشر صيام التسعة الأولى منها، وخص منها يوم عرفة لغير الحاج بمزيد من الفضل؛ فصيامه يكفّر السنة الماضية والباقية، ومن العمل الصالح فيها المزيد من البر والإحسان إلى الوالدين، وصلة الرحم والصدقة والإكثار من نوافل العبادات.

مشاركة :