هل أخطأت أميركا في قراءة اضطرابات الشارع الإيراني؟

  • 8/11/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في خضم جهود إدارة ترامب الأوسع لتعميق عدم الاستقرار في أوساط الإيرانيين الذين مزقتهم الانقسامات السياسية والاجتماعية، هناك إشارات على أن استهداف ترامب لإيران قد يفضي إلى حصيلة عكسية مع توحد مواقف الإيرانيين ضد عدو خارجي. كان تصعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنبرته المعادية لإيران وزيادة الضغط عليها نعمة بالنسبة إلى الأقلية المتشددة في إيران والتي قامت بإحراق الأعلام الأميركية، ولكن حملة الولايات المتحدة قدمت ما هو أكثر من مجرد تقوية المتشددين، وفي خضم جهود إدارة ترامب الأوسع لتعميق عدم الاستقرار في أوساط الإيرانيين الذين مزقتهم الانقسامات السياسية والاجتماعية توجد إشارات على أن استهداف ترامب لإيران قد يفضي إلى حصيلة عكسية مع توحد مواقف الإيرانيين ضد عدو خارجي. وتمثلت إحدى تلك النتائج في اللهجة المعادية للولايات المتحدة من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي كان يدعو الى التقارب مع الغرب، وكانت النتيجة الأخرى إعادة نظر شريحة واسعة من الإيرانيين الذين أعربوا طوال عقود من الزمن عن إعجابهم بالشعب الأميركي، وكانوا يعتبرون الولايات المتحدة منارة أمل. ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنهم «يدعمون الأصوات الإيرانية» من خلال تحريض المشاعر المعادية للنظام والاستفادة من الاحتجاجات المتكررة المحلية في إيران، ولكن يقول الإيرانيون والمحللون إن الافتقار الواضح إلى رؤية استراتيجية أميركية لما بعد النظام الحالي في طهران وعلاقة المسؤولين الأميركيين مع حركة «مجاهدي خلق» في المنفى قد أدى الى مستويات نادرة من الوحدة الإيرانية. وقال محلل محنك من حركة مجاهدي خلق طلب عدم الكشف عن اسمه «إذا كان هناك بعض الأمل في واشنطن في أن يفضي نوع من الضغط الخارجي الى تشجيع الإيرانيين على النزول الى الشوارع فإن ترامب يعطي الإشارة الخطأ: أنتم تنزلون إلى الشوارع للاحتجاج وإثارة عدم الاستقرار ونحن سنعمل على وصول حركة مجاهدي خلق الى الحكم». ويضيف المحلل أن «الكراهية وعدم الثقة والاستياء من المؤسسة ينمو هنا وليس ثمة شك في ذلك، والناس يحتجون هنا وهناك ولكن ما يقوم ترامب به» يجعل إمكانية حدوث ثورة شعبية في إيران أكثر بعداً». واستشهد المحلل بما وصفها «أميركا الحالية، وهذه السياسات التي تجعل الولايات المتحدة دولة لا يمكن الاعتماد عليها مطلقاً، دفعت طهران إلى رفض عرض ترامب للاجتماع مع قادة إيرانيين من دون شروط مسبقة». وقال سعيد وهو طالب هندسة ميكانيكية في جامعة أزاد في طهران يؤيد السياسيين الإصلاحيين إن «جنون ترامب لانهاية له، ولكن وحدتنا لا نهاية لها أيضاً، وهكذا فإنه كلما كشّر عن أنيابه بقدر أكبر سنرفع قبضاتنا أكثر فأكثر». ويضيف سعيد «لقد تجاوزنا كل تلك العقبات في الماضي وهذه العقبة– على الرغم من أنها أكثر خطورة من أي وقت مضى– سنتجاوزها بنجاح أكيد، وسيتم التخلص من ترامب أو- كما قال الزعيم الروحي الأعلى علي خامنئي– سيلقى في سلة مهملات التاريخ، ونحن سنقف وراء المؤسسة الى الأبد». يذكر أن العداء المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران حدد النزاع الجيوسياسي بين هذين الخصمين منذ اندلاع الثورة الإسلامية سنة 1979. لا تهدد مطلقاً ولكن عداء إدارة ترامب الجلي لإيران أفضى إلى نتائج عكسية بصورة واضحة، حسب الإيرانيين والمحللين. ومع سعي الولايات المتحدة الى احتواء ماتدعوه «أنشطة إيران الخبيثة» ونفوذها الواسع في الشرق الأوسط عملت واشنطن على زيادة العقوبات وحاولت بصورة جلية تأليب الإيرانيين ضد نظام الملالي. وفي الأسبوع الماضي، رد ترامب على إنذار من الرئيس روحاني بألا يستخف بقدرات إيران العسكرية بالقول إن على طهران «ألا تهدد الولايات المتحدة ثانية وإلا فإنها ستواجه عواقب لم تشهدها من قبل سوى قلة من الدول عبر التاريخ». من جهته رد قائد قوات القدس في إيران الجنرال قاسم سليماني على تحذير الرئيس ترامب بالقول «تعال، نحن على استعداد، قد تبدأ أنت الحرب لكننا من سينهيها». بعد هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت نيويورك وواشنطن أشعل عدة آلاف من الإيرانيين في طهران بين قلة في الشرق الأوسط الشموع تضامناً مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك يواجه الإيرانيون اليوم– الى جانب الصوماليين واليمنيين– حظراً فرضه البيت الأبيض على السفر الى الولايات المتحدة على الرغم من وجود نحو مليون أميركي من أصل إيراني في الولايات المتحدة. ويشعر الإيرانيون بحيرة إزاء الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران، كما أنهم يلمسون عواقب العقوبات الأميركية الجديدة التي هدفت إلى وضع ضغط اقتصادي «غير مسبوق» على إيران من خلال عزلها عن العالم وإرغام كل الشركات الخارجية على الانسحاب وحظر بيع أي كمية من النفط الإيراني. ويقول راميزان وهو مدرس متقاعد في طهران «كما نتوقع دائماً أن يهرع الأميركيون إلى إنقاذنا، ولكن ذلك حدث بالكلمات فقط لا الأفعال. انظروا ترامب الذي لا يسمح لنا حتى بزيارة بلاده، هل تظنون أننا نتوقع من هذا الأحمق أن ينقذنا من حفنة من الحمقى الآخرين؟». وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد رفع نبرة التهديد في خطاب له في جنوب كاليفورنيا في 22 يوليو الماضي أمام مجموعة ضمت بعض مؤيدي حركة مجاهدي خلق الأميركيين من أصل إيراني– وهي منظمة كانت مدرجة على لائحة المجموعات الإرهابية الأميركية حتى عام 2012– وقال إنها دفعت طوال سنوات أموالاً الى مسؤولين أميركيين سابقين بمن فيهم مستشار الأمن القومي الحالي جون بولتون، ومحامي ترامب الخاص ورئيس بلدية نيويورك السابق رودي غيلياني، من أجل تشجيع أجندة تغيير النظام في إيران. وقال بومبيو إن «إدارة ترامب تحلم بالأحلام ذاتها للشعب الإيراني كما تفعلون أنتم»، وتعهد بتقديم تضامن مع المحتجين الإيرانيين فيما تحدث عن الفساد وانتهاكات حقوق الانسان»، ولكنه قال أيضاً إن الولايات المتحدة «ملتزمة بوضع أقصى الضغوط على قدرة نظام طهران لتحقيق الأموال وتحريكها». وقال جون ليمبرت وهو دبلوماسي أميركي سابق كان احتجز بين 52 رهينة في السفارة الأميركية في سنة 1979، وظل في الأسر 444 يوماً: إن خطاب بومبيو نقل التحدي الى الإيرانيين إزاء تحقيق تقارب مع البيت الأبيض الحالي. وأضاف ليمبرت أن «اللافت هو هذا الوضع من تجاهل الإخلاص ومدى قدرتنا على دعم الإيرانيين وتطلعاتهم». وأوجز وجهة نظر إيران بالقول «إن ترامب يقول إنه سيقتل الملايين منا وسيخنقون اقتصادنا ويدعمون تطلعاتنا نحو الديمقراطية». كم يظنون أننا أغبياء؟ حدود صبرنا وعلى الرغم من ذلك، وحتى مع استخفاف الإيرانيين بالرئيس ترامب وأسلوبه في التعامل مع طهران فإنهم عندما يتعلق الأمر بمتاعبهم الداخلية ينحون باللائمة بقدر أكبر على سوء الإدارة والفساد في بلادهم. وتقول ليلى التي ستتقاعد عما قريب من عملها في وزارة الصحة الإيرانية إن «الوحدة كانت دائماً خيارنا في وجه الأعداء. ويتعين أن تكون في هذه المرة أشد قوة لأننا نواجه حالة خاصة تختفي معها الحدود الأخلاقية». وتضيف «ولكن توجد حدود لصبرنا أيضاً كما يتعين على المسؤولين الاهتمام بمشاكل الناس، وإذا كانت الحكومة تريد دعمنا فيجب عليها القيام بعمل ما يتعلق بحياتنا، وستنهار الأوضاع حتى الوحدة لن تنفع عندما لا يكون لديك رغيف خبز». لقد شهد الإيرانيون طوال قرنين من الزمن النتائج السلبية للتدخل الخارجي، وفي حالة الولايات المتحدة شهدنا الانقلاب الذي نسقته وكالة الاستخبارات الأميركية في عام 1953 والذي يقول الكثير من المراقبين «إنه وضع أسس الثورة الإسلامية بعد عدة عقود». ويقول أحد المحللين في طهران «يصعب أن نصدق وقوف ترامب أو الإدارة الأميركية الى جانب الشعب لأن إلحاق الضرر بهذا الشعب يتنافى مع هذه الفكرة». ويقول محلل آخر «أعرف شريحة من الشباب كانت تشعر باستياء حقيقي من النظام ولكن البعض منهم لا يريد حدوث ثورة أخرى لأن صورة حركة مجاهدي خلق هنا لا تمثل ما يريده الشعب على شكل قيادة جديدة. كما أن تقارب ترامب وإدارته من مجاهدي خلق أخاف الكثيرين وساعد بصورة غير مباشرة على ابتعاد الناس عن فكرة الثورة على الملالي».

مشاركة :