عشاق من الشرق.. حكايات صينية عن الحب والفراق

  • 8/12/2018
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

جاء إعلان العام 2016 باعتباره "العام الثقافي المصري الصيني" ليكون بمثابة إعادة اكتشاف لثقافة الإمبراطورية التي سادت الجانب الآسيوي من العالم القديم، بينما ساد الفراعنة الجانب الآخر، وفيما ربطت التجارة والعلوم قديمًا بين مركزي طريق الحرير في آسيا وأفريقيا، عادت الثقافة لتتصدر المشهد مرة أخرى.وعلى مدار العاميين الماضيين، نشطت حركة الترجمة الأدبية بين العربية والصينية، والتي جاء أغلبها عبر وسيط ثقافي هو "بيت الحكمة للصناعات الثقافية" بفرعيها في القاهرة وبكين؛ لتأتي أحدث إصدارتها "عشاق من الشرق"، التي قدمتها إلى القارئ العربي بالتعاون مع منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف، حاملة ثلاث روايات قصيرة للكاتبة الصينية وانغ آن يي، نقلتها إلى العربية المترجمة آية طلعت، وتصدرتها مقدمة للناقد محمد ماهر بسيوني، وتتناول فيها ثلاث تجارب عن الحب، حاولت فيها الكاتبة التقريب بينها رغم اختلافها هي "حب البلدة الصغيرة" و"حب الجمال"، و"حب الجبل العاري"، ليجد القارئ العربي تجارب فريدة لا تتكرر بعيون كاتبة تحيا في الدولة الأكبر في آسيا والأكثر تعدادًا للسكان في العالم.ترى وانغ آن في حكاياتها المختلفة الحب باعتباره حدثًا يجري في إطار اجتماعي ونفسي يتغير حسب نمو وتطور المجتمعات وتطورها، فيأتي تطور الحكايات ليُعبّر عن أن الحب لا يولد من فراغ، ولا يعبر دومًا المسار نفسه حتى وإن تشابهت بداياته؛ ويبدو من سياق الحكايات أن السياق الاجتماعي هو الحاكم الأكبر على مسار تلك القصص "فعلاقة الحب المكتوب لها النجاح في مسار اجتماعي ما قد تعد مستحيلة في سياق اجتماعي آخر"، حسب بسيوني الذي أضاف في مقدمته "تعطينا المؤلفة من خلالها وصفًا لتلك العاطفة التي خضناها يومًا ما، أو ظننا أننا خضناها، دون أن نقدر على التعبير عنها أو تفسيرها".يأتي شكل الحكايات الثلاثة التي سردتها وانغ آن بنفس الطريقة التي لعب بها الروائي الفلسطيني ربعي المدهون روايته "مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة"، والتي حصد بها الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2016؛ فبينما لعب المدهون معزوفته من أربعة حركات، جاءت روايات وانغ آن القصيرة هي الأخرى أشبه بسيمفونية من ثلاث حركات، حيث كل واحدة منها تجربة حب مختلفة وفريدة؛ ففي الحكاية الأولى "حب البلدة الصغيرة" نجد البطلة تُعاني من الوحدة، بداية من جارتها في الغرفة التي تشعر بالاشمئزاز تجاهها وترفض أن تقترب منها، لتحزن ويغمرها شعور بالنقص وإن أظهرت خلاف ذلك؛ بينما البطل هو الآخر يشاركها تلك الوحدة، لا حياة له خارج غرفة التدريب على الرقص؛ وحين تتوطد علاقتهما يدخلان في الطور الثاني من ذلك النمط من الحب عبر خطوات بطيئة والكثير من الانفجارات العصبية لا يُمكن أن يتخيل القارئ عبرها أن تكون مقدمة قصة حب؛ لكنهما سرعان ما يفقدا شغف البدايات ويغرقان في خيبة الأمل بعد أن استنفذا السعادة مبكرًا، ولم يتبق بينهما سوى الخجل والمرارة؛ هنا تعود الفتاة لتواجه الوحدة من جديد، بينما هرب الفتى نحو تدمير ذاته عن طريق الإغراق في القمار وشرب الخمر والتوقف عن التدريب، بل والزواج من أخرى، حتى أصابه المرض وقرر العودة لقريته."تهاجمه بكل قوة، وتنفس عن غضبها، ولم تتوقع أن هذا سيثير خياله، ويجعله أكثر قلقًا"..أما في الحكاية الثانية "حب الجمال" أعطت وانغ آن القارئ جرعة أخرى من القسوة غير ما منحته عبر عبثية الحب العابر الذي صدّرته في حكايتها الأولى؛ تحدثت هنا عن الحب المفاجئ الذي يأتي على غير انتظار، والذي يتسم باللاعقلانية؛ فقد نشأت العلاقة عبر لقاء استثنائي، مجرد رحلة عمل تبدو في ظاهرها تقليدية وكان يمكن ألا تُكلّف بها بطلة الرواية التي هي في الوقت نفسه متزوجة بالفعل. جاء الحب أمامها كحجر قذفه القدر في البحيرة الراكدة التي تحيا فيها بروتينية، حتى أنها ملّت من الحياة الزوجية التقليدية. جاءت تلك العلاقة العابرة لتُحيي شعور البطلة الذي ظل نائمًا لفترة طويلة فاندفعت نحوه بحماس شديد بعدما وجدت في العلاقة الجديدة التي لم تكن في حسبانها راحة كافية لكسر الجمود، وبسبب وحدتها الطويلة أيضًا كانت تحتاج فقط إلى حركة قليلة لتحفيز السعادة المنشودة، بدا وكأنها استغرقت في النوم لفترة طويلة بعد زواجها؛ لكن وكأي حلم جميل كان لابد وأن تنتهي الحكاية بافتراق الحبيبين."ملّت من الحياة الزوجية التقليدية.. ترسم مشاهد نمو الحب في الجسد والروح"..لم تشأ وانغ آن مُغادرة قارئها دون اصطحابه في حكاية لا يمكن تصور حدوثها إلا في الصين، فتأتي الحكاية الثالثة "حب الجبل العاري" كحكاية صينية خالصة، تحكي عن ذلك النوع من الحب الذي تسيطر التأثيرات الاجتماعية والثقافية على مساره ومصيره؛ بدت للمُتابع للأدب الصيني وكأنها واحدة من أصداء الأعمال الكلاسيكية العظيمة مثل "حلم القصور الحمراء"؛ فتروي عن جندي يحاول أن يلفت انتباه بائعة ثمار مجففة، ليس إلا لأنها صارت موضوعًا للرهان بين صبيان مجمع مجلس الثورة بالمدينة، فمن يستطيع أن يتحدث معها ثلاث جمل، يذهب للجبل يوم الأحد للعب الدومينو الصينية ولن يكون بحاجة لإخراج المال، والمياه الغازية، والخبز، فيأكل ويشرب دون مقابل، كما يضرب المسدس هباء، دون تألم مهما بلغت كمية الضرب."أليس هذا جبل الأزهار والثمار في رحلة إلى الغرب؟"..يبرز التراث الصيني في مشاعر بائعة الثمار المجففة، حيث يحدد ما تحبه وما تكرهه في الرجال، وكانت تحتقر أصحاب الطبقة الأرستقراطية، فتشعر أنهم طائشون، مثل الديك الذي تعلم الصياح للتو، ولم ينم شعر ذيله بشكل كامل، بينما تحب الرجال الكبار الذين عاشوا عمرًا وعلى وجههم التجاعيد، وذقنهم صلبة سوداء، فهم مروا بصعاب كثيرة، وتحملوا معاناة كبيرة. ومن وجهة نظرها فإن الشخص الذي يعتمد على سلطته لإغراء النساء، لا يعد رجلا في الأساس؛ والرجل الجيد يجب أن يكون أعزل، لا يعتمد على أي شيء خارجي، يعتمد فقط على كونه رجلا، للحصول على المرأة.

مشاركة :