دكتور خفاجي في رثاء المستشار حسن كمال الدين: مات صاحب أنقى ابتسامة

  • 8/12/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إننا نعزى أنفسنا فى رثاء المرحوم المستشار حسن كمال الدين مصطفى سرى نائب رئيس مجلس الدولة الذى وافته المنية عن عمر يناهز 66 عاما حيث انتقل للرفيق الأعلى منذ يومين إثر تعرضه لذبحة صدرية حادة، إن المستشار حسن كمال الدين من مواليد 17 يونيو 1952 وكان ميلاده متزامنا قبل ثورة يوليو 1952 بسبع وثلاثين يومًا تقريبًا وهو دفعة 1975 وقد التحق بمجلس الدولة فى 3 أغسطس 1980، وقد كان المرحوم المستشار حسن كمال الدين يمتاز على مدار حياته القضائية بأنقى ابتسامة فى تاريخ القضاء المصرى وقد رحل عن عالمنا ولن تفارقنا بشاشته التى لازمته، وعلو مكانته، وسمو خصاله وعظيم رقته، وقد تحول بابتسامته الساحرة إلى رمز نتعز ونفخر بفلسفته وثاقب رؤيته.وكم كان الشعور بالراحة والاطمئنان عندما تقابله بابتسامته البشوشة ! حتى ولو كان غاضبًا منك تراه يبتسم في وجهك، فيشعرك ذلك بالسعادة وأنت تبتسم في وجه زملائك وأصدقائك من عناء العمل القضائى المضنى، وتشعر وكأن الشفاء يسري في جسدك فالابتسامة لها فعل السحر في العقول والنفوس أيضًا، ونظرًا لأن الابتسامة والبشاشة من الصفات الأخلاقية العامة التى تلازم الفرد في أى مكان عمل لحسن التعامل مع الأخرين وادخال السعادة إلى نفوسهم، ينشده وهى نوع من فن التعامل لا غناء عنه للتعامل مع الرؤساء والمرؤوسين لتحقق الرضاء الوظيفى العام، وبغيره يحل السخط العام ونظرات الريبة التى سرعان ما تتحول بعد مرور الزمن الذى يمضى مسرعًا إلى نكران المعروف بين الناس، فالتجهم والعبوس يقيم الحواجز بينك وبين الآخرين؛ ولذلك عليك أن تتعلم كيف تسيطر على أفكارك ومشاعرك؛ ليكون عبوسك حينئذٍ مقصودا ومتحكما فيه، ويؤدي رسالة محددة في وقتها المناسب، وهو ما جعل الابتسامة علم يدرس وفن يمارس لتحسين العلاقات الاجتماعية بين الزملاء.إن الابتسامة فن من الفنون لا تدركه إلا النفوس الصافية النقية لنتغلب على تيار الضغوط اليومية في العمل القضائى التي جلبت الكثير من الأمراض كالسكري والضغط والتوتر والقلق والأزمات. ورغم أهمية الابتسامة فإن هناك من لم يبتسمون أبدا، ولا تنفرج أساريرهم وهم يلقون غيرهم من الناس ظنًا منهم أن في التبسم إنزال من مكانتهم، ونقص من هيبتهم أمام الآخرين وهو من قبيل المرض الذى يسكن القلوب، حيث تنغلق ينابيع الخير في نفوسهم ويقول لنا التاريخ الذى يرصد ويسجل أن أمثال هؤلاء واهمون أشد الوهم وهم ينفرون أكثر مما هم يقربون، وخسارتهم أكبر مما يربحون، وهم لا يدركون دروس التاريخ كم حُطمت على بريق الابتسامة من الحواجز الوهمية بين الزملاء التي نسجها شيطان غرور البقاء والخلود، فبددت تلك الابتسامة جبال المشاكل التي هي أشبه ما تكون بجبال ثلجية ما إن تلقيها حرارة الابتسامة إلا وخضعت للذوبان والانصهار، فالابتسامة هي مفتاح لكل القلوب المغلقة، هى إشراقة روح، وإطلالة نفس، ومراَة فؤاد، هى بلسم الألم ودواء الحزن. هى أقصر الطرق وصولًا للقلوب وأقرب الأبواب تعلقًا بالنفوس. والابتسامة الحقيقية لا يمكن تزييفها فهي كالذهب البرلنت عبثًا يحاول المخادعون تقليده ولكن بريق الذهب ليس كأي بريق.وعلى مستوى المنهج العلمى يقول العلماء إن كل إنسان منا لديه مواد كيميائية خاصة تفرزها أجهزة جسمه عندما يتعرض للخوف أو الحزن أو الكآبة أو القلق. هذه المواد تكون في أدنى مستوى لها عندما تنظر لشخص قدم إليك وهو يبتسم في وجهك! لأن هذه الابتسامة قد أزالت من ذهنك أي خوف أو قلق، ويقول لنا علماء البرمجة اللغوية العصبية بأن أحد أساليب النجاح الأقل كلفة هو الابتسامة، فالإنسان الذي يتبسم في وجه من حوله يمنحهم شعورًا بالاطمئنان، ويزيل الحواجز بينه وبينهم، وبعبارة أخرى فإن تكرار الابتسامة يكسب الآخرين الثقة بهذا الشخص المبتسم، وعندما يبتسم الإنسان تتحرك من (5- 13) عضلة في الوجه، وعندما يكون في حالة تجهم وعبوس تعمل (47) عضلة وهذا من قبيل الإعجاز العلمى للابتسامة لكسب ثقة الأخرين وطريقة فعالة لعلاج الاكتئاب.إن البشاشة تعنى طلاقة الوجه عند اللقاء، كما تبدو في التبسط والتحبب، ومحاولة التقارب وروعة الاستهلال وتقضي على الحزن والكرب، وتؤلف القلوب وتيسر المهمات، لأن عبوس الوجه يسبِّب الضيق، ويُشعِر الآخر بعدم الرغبة في اللقاء، والابتسامة وحدها عطاءٌ، وتدل على نفس قادرة على البذل للآخرين والاهتمام بالناس والفرح لفرحهم ومشاركتهم في كل أحوالهم، ومن صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يقول أصحاب السير: أنه كان بسـّام المحيا. وقد بيَّن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم موضِّحًا العلاقة بين العطاء والابتسامة، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» رواه الترمذى. وهكذا كان الرسول الكريم يدعو أصحابه إلى الطلاقة والبشاشة، وحسن اللقاء فكان يقول: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» أخرجه مسلم.ووصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله عن تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكان من أحسن الناس ثغرًا» أخرجه البخارى، فالابتسامة صدقة، والابتسامة خاصة في الحقل القضائى بين الزملاء رسالة حب وصدق وإخلاص، تعطيها بلا مقابل، فتجني من ورائها الكثير من الخير على الأقل في ضمان احترام الناس لك، ولم يكن رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم مكتفيًا بأمر أصحابه بالابتسامة، وحثهم عليها فحسب، بل كانت سمة بارزة له.ويقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتسم في وجهي» رواه البخارى. ويصفه أحد أصحابه بأنه أكثر الناس تبسمًا؛ يقول عبد الله بن الحارث الزبيري رضي الله عنه: «ما رأيت أحدًا أكثر تبسّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم» أخرجه أحمد، وينبغى أن اُشير إلى إن هؤلاء ليسوا من الصحابة المشاهير الذين صحبوه فترة طويلة، ولم تكن لهم أعمال كبيرة منوطة بهم في عهد النبوة، ولم يكن لهم عظيم العمل من السابقين الأوائل حتى نقول: إنه يرحب بهم، ويكافئهم على أعمالهم، فقد كان رسولنا الكريم يبتسم للجميع دون استثناء، ويفهم منه أنه كان دائمًا مع الناس مبتسمًا.وعلينا أن نتعرف على أقوال فقهاء المسلمين عن الابتسامة، فقد قال أبو حاتم بن حبان رحمه الله" -:البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البـِشر يطفئ نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي ومنجاة من الساعي، ومن بشَّ للناس وجهًا لم يكن عندهم بدون - بأقل - الباذل لهم ما يملك". وعن عروة بن الزبير قال: "أخبرت أنه مكتوب في الحكمة: يا بني ليكن وجهك بسطا، ولتكن كلمتك طيبة؛ تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء". وعن سعيد بن الخمس قال: "قيل له ما أبشـَّك؟ قال: إنه يا قوم على برخيص". يعني: إن البشاشة رخيصة لا تكلفه مالا ولا جهدا، وإنها غالية وقيمة ؛ لأنها تجذب القلوب وتقتلع أسباب البغضاء.حتى أن علماء الغرب قد تناولوا حسن الابتسامة قال العالم فولتير " الابتسامة تذيب الجليد وتنشر الارتياح وتبلسم الجراح: انها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية "وقال شكسبير عنها " أن تشق طريقا بالابتسامة خير من أن تشقه بالسيف".وما أجمل أن تنتشر البسمة في مجتمع القضاء، حتى تُخَفِّف كثيرًا من الآلام التي يعيشونها سدنة العدالة في حياتهم اليومية، وليس بالضرورة أن يكون المرء خاليًا من الأزمات والمشاكل حتى يبتسم ؛ إذ كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يبتسم دومًا، رغم الأحزان التي كانت تلاحقه من آنٍ لآخر، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلّى بها، حتى صارت عنوانًا له وعلامةً عليه.وختاما أقول إن حب الدنيا وحب المال والبنون أمر فطري، قد ارتكز في نفوس البشر، ولعلم محمد صلى الله عليه وسلم بطبيعة النفوس البشرية وميولها لم يتعجب من صنيعها، بل تبسم إذا رآها في لحظة تفرح بخير الدنيا إذا أقبل، لكنه يجب ألا تشغلنا البشاشة عن الجميع من غير أموالنا وأبنائنا، رحم الله الخلوق المبتسم صاحب أجمل بشاشة أخى وزميلى طيب القلب نقى السريرة حسن كمال الدين جزاء ما قدم لمجلس الدولة من عمل جليل في محراب العدالة واسكنه فسيح جناته.

مشاركة :