لم يعد بعيدا ذلك اليوم الذي يمكن فيه أن تتجول الروبوتات بحرية داخل أجسادنا؛ والمقصود بذلك نوع من الروبوتات حجمها صغير جدا ويمكن تناولها في شكل حبوب ثم ترسل داخل الجسم لتؤدي عدة أغراض ووظائف. هذه الروبوتات هي اليوم في مرحلة التطوير والتجريب ومن المتوقع أن تستخدم في العديد من المجالات العلمية مثل الطب والبصريات والفيزياء والإلكترونيات والكيمياء وغيرها من المجالات الصناعية والبيئية بوسطن - يعدّ مجال الروبوتات الطبية المصغّرة من الاكتشافات الواعدة، لأنها تدخل إلى جسم المريض وإجراء جميع أنواع العلاجات، فالهدف الأول للطبيب هو معرفة المرض الذي يعاني منه مريضه، وفي حين كان ذلك يتضمن بعض التخمينات في الماضي، فإن الروبوتات المصغّرة داخل الجسم ستجعل منه إجراء أكثر دقة عما قريب. ويمكن لروبوتات صغيرة بحجم الذبابة أو حبة الدواء أن تدخل مباشرة إلى الجسم وهي تحمل مستشعرات وأدوات تشخيصية يمكنها الكشف عن علامات المرض. وعلى الرغم من تصنيع روبوتات لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات، لم نصل حتى الآن إلى تصنيع روبوتات في شكل حبوب مرنة متعددة الوظائف يمكنها التحرك والعمل على مقاييس أصغر. ونجح فريق مشترك من معهد ويس للهندسة المستوحاة من البيولوجيا التابع لجامعة هارفارد وجامعة بوسطن في التغلب على هذا التحدي بتطويره آليةً جديدة تفسح المجال لتصنيع روبوتات مرنة بمقاييس مليمترية. ولإثبات جدوى تقنيته الجديدة، صنع الفريق عنكبوتا مرنا مستوحى من عنكبوت الطاووس الأسترالي الملون، الذي لا يتجاوز حجمه بضعة مليمترات، من مادة مرنة واحدة، ويمتاز بقدرته على تشكيل الجسم والحركة واللون. وقالت الدكتورة شيلا روسو، إحدى المشاركات في الدراسة، إن “أنظمة الروبوتات الصغيرة المرنة ما زالت بسيطة جدًا، بدرجة واحدة فقط من الحرية، إذ بإمكانها القيام بتغيير واحد في شكل الحركة أو نمطها”. وأضافت “من خلال تطوير تقنية هجينة تدمج ثلاث تقنيات تصنيع مختلفة، تمكنا من تصنيع عنكبوت روبوتي مرن من السيليكون فقط، يتمتع بـ18 درجة من الحرية تتراوح ما بين تغييرات حركية وبنيوية ولونية مع تفاصيل دقيقة في نطاق الميكرومتر”. وقال الدكتور روبرت وود المشارك في الدراسة إن “مقاربة التصنيع الجديدة في مجال الروبوتات المرنة تمهد الطريق لتحقيق مستويات من التعقيد وأداء المهمات على المقاييس الصغيرة، تماثل تلك التي تظهرها نظيراتها الصلبة”. وأضاف أن “الروبوتات المرنة ستساعدنا مستقبلًا على محاكاة علاقات الوظيفة البنيوية في الحيوانات الصغيرة وفهمها بطريقة أفضل بكثير من الروبوتات الصلبة”. واستخدم الفريق للمرة الأولى تقنية الطباعة الحجرية لتوليد 12 طبقة من السيليكون المرن لتشكل معًا أساس مادة العنكبوت المرن؛ عبر تقنية القطع الدقيق بالليزر وربط كل طبقة بالطبقة التالية لتكوين البنية الخام ثلاثية الأبعاد للعنكبوت المرن. أجهزة تكنولوجية صغيرة ومرنة متعددة الوظائف أجهزة تكنولوجية صغيرة ومرنة متعددة الوظائف ومفتاح تحويل التركيب البسيط إلى شكله النهائي هو إنشاء شبكة قنوات ميكروية مجوفة للسوائل، مدمجة ضمن الطبقات المفردة، مع تقنية ثالثة تعتمد الطي الذاتي عبر حقن سائل الريزين في مجموعة واحدة من القنوات الميكروية المجوفة، ما يحفز الطبقة المحقونة والطبقات المجاورة على الانحناء بصورتها النهائية، لتثبت في مكانها بعد تصلب الريزين، ويمكننا بهذه الطريقة جعل بطن العنكبوت مثلًا وأرجله المنحنية صفات دائمة. وقال الدكتور توماسو رانزاني المشارك في الدراسة “يمكننا التحكم في عملية الطي الشبيهة بفن طي الورق من خلال تغيير سُمك وتماسك المادة السيليكونية القريبة من القنوات المجوفة أو عن طريق القطع بالليزر، وأثناء الضغط تعمل القنوات كمحركات تساهم في التغيير المستمر”. واستثمر الفريق المجموعة المتبقية من القنوات كمحركات إضافية لتلوين العيون ومحاكاة لون بطن عنكبوت الطاووس عبر تدفق السوائل الملونة وحث بنية ساق الروبوت على القيام بحركات مشابهة للمشي. وأضاف رانزاني أن “النموذج الأولي صنع في عملية واحدة متجانسة قابلة للتنفيذ في أيام قليلة ويمكن تكرارها بسهولة لخدمة جهود تحسين التصميم”. وأشار الدكتور دونالد إنجبر مدير معهد ويس إلى أن “النموذج الأولي للروبوتات المرنة يفتح آفاقًا جديدة كليًا أمام الباحثين الذين يركزون بالدرجة الأولى على التطبيقات الطبية مستفيدين من أحجام الروبوتات الصغيرة ومرونتها في عمليات الجراحة المجهرية واستخدامات التنظير الطبي”. ويعتقد الباحثون أيضا أن الروبوتات الصغيرة يمكن تحويرها ليسهل ابتلاعها كالحبوب لتتمكن من إيصال الأدوية إلى داخل الجسم وإجراء عمليات جراحية في المناطق التي يصعب الوصول إليها في المعدة والأمعاء وغيرها من أجزاء الجسم. ويجري تطوير روبوتات صغيرة لمهاجمة البكتيريا التي تنقل الأمراض ولإزالة البقايا التي تسدّ الأوعية الدموية. وهناك روبوتات صغيرة أخرى تشبه الغواصات الصغيرة بإمكانها أن تزيل انسداد شرايين القلب، حيث يمكن لتراكم الدهون والكوليسترول أن يعيق تدفق الدم مما يؤدي إلى الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية. إلا أن هذه “الحبيبات الدقيقة” تقوم بتفكيك الدهون والكوليسترول مما يسمح للمثقب الجراحي بالقضاء عليها. إن أحد الاستخدامات الواعدة للروبوتات المصغّرة إعطاء الأدوية، مما يسمح للأطباء بإيصال الأدوية إلى مناطق محددة أو إلى خلايا يصعب الوصول إليها وتحتاج إلى هذه الأدوية. ويتم تطوير أحد هذه الروبوتات لعلاج السرطان، حيث إن هناك مشكلة كبيرة ناتجة عن العلاج الذي يستهدف السرطان وهي أن حقن الأورام بالأدوية يؤدي إلى تمّزقها وبالتالي تنتشر الخلايا المريضة في الأماكن القريبة. ويمكن للروبوتات الصغيرة تقديم الأدوية بأمان دون استخدام الحقن التي تثقب الأورام. ويجري أيضا تصميم روبوتات الأسماك الدقيقة التي تتحّرك في محيطها بحركة تشبه حركة الأسماك، ويمكن للأطباء توجيه هذه “الأسماك الدقيقة” باستخدام حقول مغناطيسية نحو خلايا معينة، لتقديم الأدوية أو نقل الخلايا المنفردة في طريقها. ويقول العلماء إنه من المثير حقا أن نرى الروبوتات الصغيرة هذه تقوم بالمهام الطبية الصعبة، لكنهم في المقابل يشككون في السيطرة على وضع هذه الروبوتات داخل جسم الإنسان.
مشاركة :