إنجوغو إنينغ شاعر سنغالي يقيم في المملكة وتحديداً في المدينة المنورة، فاز هذا العام بمسابقة «شاعر الجامعة الإسلامية» وهي الجامعة التي يدرس بها. يكتب إنينغ أدبه باللغة العربية وهو معجب بها ويتغنى بها كثيراً ويفرق بينها وبين غيرها من اللغات الأجنبية التي فرضها المستعمر على أفريقيا، وكان لنا معه هذا الحوار.. عاد أجدادنا من «شنقيط» علماء وشعراء الاستعمار حاول طمس «العربية».. وفشلكيف بدأت كتابة الشعر؟ -منذ الطفولة وأنا أجدني متورّطاً في موسيقى الأشياء الخفية، والأصوات المتناغمة، حيث كانتا قادرتين على استرعاء كامل انتباهي فجأة، وعزلي عن المحيط الخارجي. وتلك حالة امتدّت بي طويلاً، واتسعت هوّتها مع مرور الزمن، خاصة بعد احتكاكي بعوالم الشعر لأول وهلة. وقد استمرت إلى أن وصلتُ إلى المرحلة الإعدادية، حيث بدأت محاولاتي الأولى، ثم بدأت ملامح الأشياء تتبلور أمامي إلى أن كتبتُ أولى قصائدي في السنة الأخيرة من الثانوية. ومن هنا انطلقت حكايتي مع المحاولات الجادة لاكتشاف صوتي الخاص، ولا تزال الورقة بيضاء حتى الآن. مع أنّي لا أنسى التركيز في المرحلة الراهنة، أي بعد التحاقي بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، التي ما زلتُ طالبا مقيداً فيها، حيث منحت لي بيئة مواتية لتطوير موهبتي، وفتحت لي برامجها الثقافية ووجدتُ فيها اهتماماً كبيراً من قبل أساتذتها، وكان فوزي بمسابقة "شاعر الجامعة الإسلامية" في هذا الموسم تتويجاً لسنوات من الإصرار المشترك.تقيم في المملكة وتكتب قصائدك باللغة العربية هل تعد نفسك أديباً عربياً أم سنغاليا؟ -صحيح أنني مقيم في بلاد الحرمين وأكتب إنتاجاتي بالعربية، حتى صار البعض يعدّني من ضمن أدبائها، ولكن إذا كان لا بدّ من الانتماء ، فإنني أعتقد أنّ اللغة وحدها مع كونها أداة للتواصل، ووعاء للثقافة، ليست كافية لتصنيف الأديب وتحديد انتمائه، فهوية الكاتب أكثر تعقيدًا من أن تتشكّل من لغة تواصله مع الآخر فحسب، بعيدًا عن رؤيته للحياة، وتصوراته للأشياء التي تتأثر بخلفياته الثقافية والتاريخية: بأساطيرها، وأغنياتها الفلكلورية، وأمثالها الشعبية، التي تلعب دوراً بارزاً في ذلك. ومن هذا المنطلق أرى أنني أديب سنغالي يعبّر عن تجربته باللغة العربية ويتذوقها.تكتب معظم الآداب الأفريقية بلغات غير لغاتها الأصلية، برأيك ما أسباب هذا وما آثاره الثقافية؟ -الأسباب كثيرة، لكن عندما نتحدث عن الآداب المكتوبة بلغات غير لغات إفريقيا الأصلية - أعني اللغات الأخرى غير العربية؛ لأن العربية لها وضع مختلف -، نجد أن العامل الأهم هو الاستعمار الذي فرض نفوذه وسطوته، والذي لم يقتصر طمعه على نهب خيرات الشعوب الإفريقية، واقتسام أراضيها فقط، بل ذهب أبعد من الهدف الاقتصادي، أو الهدف الديني المقنّع تحت قناع التبشير، لتتجاوزهما إلى المستوى الثقافي، لأنه السلاح الأكبر الذي أعده الاستعمار للقضاء على التحدّي الجمعي، كما يقول الكاتب الكيني نغوجي واثينغو. وقد نجح المستعمر في نشر لغته وثقافته في كثير من البلدان عن طريق القهر والإجبار، واستطاعت أن تدخل في منافسة غير نزيهة مع اللغات القومية، بل سلكت بعضُ اللغات التي لم تصمد أمام المدّ الاستعماري الغاشم طريقها نحو الانقراض. أما الكُتّاب باللغة العربية فقد كان دافعهم دينياً بامتياز، حيث تعلّموا لغة القرآن، فأدى بهم الحرص على إتقان هذه اللغة إلى التمكن والتفنن فيها، ثم إلى اتخاذها وسيلة للتعبير عن إبداعاتهم. ولكن كل ذلك لا يعني غياب الآداب الإفريقية المكتوبة باللّغات القومية، فهي التي حفظت معظم الموروث الشعبي، وما زالت تحفل بكثير من إلابداعات التي لا يقلّ شأناً عن المكتوب باللغات الأخرى، وإن لم يُسلَّط عليها الأضواء؛ لصعوبة الوصول إلى مضامينها إلاّ عن طريق الترجمة. *رأس جمهورية السنغال في يوم من الأيام شاعر وهو الراحل ليوبولد سينغور, برأيك ما أثر هذا على اهتمام الناس بالشعر والأدب هناك؟ -لا شك أن الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، الرئيس السنغالي الأسبق، عاشق إفريقيا الكبير، وفيلسوف أدب الزنوجة، ترك بصمات واضحة في المشهد الأدبي السنغالي، بل في الأدب الإفريقي والعالمي عموماً. فقد كان شعره مسرحاً لعرض كثير من الأعراف والتقاليد الإفريقية، ومعزوفة آسرة لتمجيد اللون الأسود وجمال المرأة الإفريقية. إلا أنّ تلك البصمات تكاد تكون ضئيلة التأثير في الأدب العربي مقارنة بفاعليتها المباشرة في الأدب المكتوب باللغة الفرنسية - لغة إنتاجات الشاعر سنغور، واللّغة الرسمية للدولة -. ولعل صدور الترجمة الجديدة لأعماله الشعرية إلى العربية يكون بوابة تتيح لإنتاجاته التأثير في المتلقي السنغالي المثقف بالثقافة العربية وفي الأدب العربي أيضاً، وتفتح شهيّة المتذوقين نحو مزيد من الاهتمام. حدثنا عن الأدب السنغالي وأهم قضاياه؟ الأدب السنغالي كغيره من آداب الأمم، يعكس عن ثقافتها، وحياتها الاجتماعية، والسياسية، والدينية، وإن كان يتميز باختلاف روافده، وتنوع اللغات التي كتب بها، سواء باللغات المحلية السنغالية، أو بالعربية أو الفرنسية. لكنّي أجد أن سياق الحوار يجرّني مباشرة للحديث عن الأدب السنغالي العربي لأسباب كثيرة، من بينها أن اللغة العربية سبقت لغة الاستعمار في السنغال، وتأثر الأدباء السنغاليين بالأدب العربي والثقافة العربية ملفت للنظر. وليس غريباً أن نجد تقاطعات ورحماً يصل بين الأدبين، خاصة إذا استحضرنا عامل الدين، حيث كان دخول الإسلام في السنغال مبكرًا، وكذلك عامل الجغرافيا، الذي يتمحور حول مجاورتها لموريتانيا بلاد "المليون شاعر". وقد كانت بلاد شنقيط وجهة أجدادنا في طلب العلم. فكانوا يفدون إليها متعطشين للعلم، ويرجعون إلى أهلهم علماء وشعراء، ولديهم مؤلفات ودواوين، حتى غدت موريتانيا نفسها متأثرة بالبيئة الثقافية السنغالية فيما بعد، كما يخبرنا بذلك الباحث الموريتاني د.خليل النحوي. وعلى هذا المضمار سارت الأجيال فيما بعد، مع مزيد من الانفتاح، والاتساع في الرؤية، والتجديد في القوالب والأشكال الأدبية. وقد تناولوا موضوعات شتى في إنتاجاتهم: بعضها دينية: (كالمدائح النبوية التي تحتل مساحة كبيرة في الأدب السنغالي، والابتهالات، وقصائد الزهد)، وبعضها: اجتماعية كـ: القصائد الملقاة في المناسبات الاجتماعية، كـ: (المديح، والرثاء، إلى آخره.)، وبعضها سياسية تواجه طغيان الاستعمار بسلطة الكلمة، وتدعو إلى الحفاظ على القيم الثقافية وعدم استبدالها بالثقافة واللغة الدخيلتين.كيف ترى حضور الأدب العربي والثقافة العربية وتأثيرهما في المشهد الأدبي والثقافي السنغالي؟ قديم جداً كما أسلفنا، وما زالت اللغة العربية تسير جنباً إلى جنب مع نظيرها الفرنسية التي حاولت طمس معالمها في نفوس الشعب السنغالي بكل الوسائل المتاحة فلم تفلح. ولكنّ ما نشاهده في الوقت الراهن من النهضة الثقافية والأدبية مؤشر قوي يبشر بعاصفة هوجاء تعيد لهذه اللغة مكانتها في المجتمع، وتستحق الإشادة والاهتمام؛ إذ إننا نرى مشاركات عديدة مبهجة من قبل الجيل الصاعد من أبناء هذا الوطن، على مستوى الوطن العربي، سواء في المسابقات الدولية التي يتألّقون فيها، والمهرجانات الشعرية، والإنتاجات الفردية. ولولا مخافتي من التورّط في معضلة الأسماء لذكرت بعض المواهب الشابة المدهشة التي وصل صداها إلى الوطن العربي.
مشاركة :