ماذا بعد فتح ملفات الفساد في لبنان ؟

  • 12/22/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فاجأت وزارة الصحة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الرأي العام اللبناني بوجود أغذية فاسدة في الأسواق تشمل في شكل خاص اللحوم على أنواعها. ويتضمن الفساد طريقة الذبح والحفظ والنظافة وتجاوز تواريخ الصلاحية. وشملت حملة الوزارة الألبان والأجبان أيضاً. ولم يقتصر الأمر على محلات بيع هذه المواد وإنما شمل المطاعم والمحلات التي تبيع أطعمة جاهزة. وكانت الوزارة تنشر عبر الإعلام كل يوم تقريباً قائمة بأسماء الأماكن التي ضُبِطت وأغلقت بعضها لحين تقويم أوضاعها. وانقسم الرأي العام اللبناني بين من أيد ما تقوم به الوزارة واعتبره خطوة ضرورية كان يفترض أن تبدأ قبل فترة طويلة ومن عارض لكن على نطاق أضيق، لأن الإعلان عن الأسماء بهذه الطريقة يضر بسمعة لبنان السياحية وبالتالي بالوضع الاقتصادي الذي يعتمد في شكل مهم على السياحة. وأعلنت بعدئذ بقليل وزارة المال عن اكتشافها حالات بيع لأراضٍ حكومية في الجنوب قام بها موظفون في الوزارة خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006. وسبقت الحملة على الغذاء حملة على الأدوية والأطباء والمستشفيات. يعرَّف التعامل بأدوية وأغذية تفتقر إلى شروط السلامة العامة بالغش التجاري، بينما يصف الفساد حالات استغلال السلطة في القطاع العام لأجل تحقيق منافع شخصية، كما حصل في حالة موظفي وزارة المال. وتعرّف منظمة الشفافية الدولية التي بدأت أول القرن الحالي بتقدير «مؤشر مدركات الفساد» في دول العالم ونشره، الفساد بأنه «إساءة استخدام النفوذ في القطاع العام لمنافع شخصية». ويعتبر مكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة الفساد بأنه ظاهرة اجتماعية واقتصادية وسياسية معقدة تتأثر بها كل الدول، وتساهم في إضعاف المؤسسات الديموقراطية وتباطؤ النمو الاقتصادي. ويشمل الغش التجاري كل ما يمكن أن يقوم به فرد أو مؤسسة لترويج سلعة أو مجموعة سلع وخدمة أو مجموعة خدمات بشروط مخالفة للقوانين والشروط التي تضعها الدولة والنقابات والجمعيات ذات العلاقة لتنظيم ممارسة القطاع الخاص لنشاطات اقتصادية سلعية وخدمية. وتختلف طرق معالجة الفساد وأساليبها عن وسائل معالجة الغش التجاري ولو أن أسباب حصولهما متشابهة. فالفساد والغش التجاري سببهما الرئيس ضعف الدولة وغياب الشفافية والمحاسبة وغياب تطبيق القانون. وفي واقع الحال يؤثر الفساد والغش التجاري في الوضع الاقتصادي ويتأثران به. ووجد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن الفساد يؤثر سلباً في النمو الاقتصادي لأنه يحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتحاشى الدول التي يكون فيها مؤشر الفساد عالياً، كذلك يعيق إنشاء المشاريع الصغيرة التي لا تستطيع تأمين الأموال اللازمة للبدء بمشروع بسبب الفساد. ومن جهة أخرى يؤدي تردي الوضع الاقتصادي وضعف المردود المادي للوظيفة الحكومية والمشروع الخاص إلى استشراء الفساد والغش التجاري. فالفساد والغش التجاري لهما بيئة حاضنة تتمثل بتردي الأوضاع الاقتصادية وضعف دور الدولة وأجهزة المراقبة والمحاسبة، وكذلك ضعف الرأي العام، فعندما يضعف دور الدولة يجب أن يعمل الرأي العام، بما فيه وسائل الإعلام، لتذكير الدولة بدورها وبث الحماسة في أجهزتها الرقابية. إذاً فالبيئة الحاضنة للفساد لا تتكون من ضعف الدولة فقط وإنما أيضاً من ضعف دور الرأي العام بما فيه وسائب الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني التي من واجبها تسليط الضوء على الممارسات الخاطئة وكشفها. وعلى رغم أن لبنان لم تشمله إلى الآن القائمة السنوية للدول الـ 20 الأكثر فساداً في العالم في «مؤشر مدركات الفساد»، يمكن اعتباره من الدول التي يستشري فيها الفساد في القطاع العام والغش التجاري في القطاع الخاص. ويعزى ذلك إلى ضعف الدولة وأجهزتها الرقابية وازدحام القضايا لدى الجسم القضائي. وتعتبر الطائفية والمناطقية التي يحتمي بها الفاسدون من الملاحقة والمساءلة مؤشراً مهماً على ضعف دور الدول. فما أن تظهر قضية فساد إلى العلن حتى تتدخل وساطات ومحسوبيات توقف الملاحقة وتغلق الملف. وسبق وأثيرت قضايا فساد في الجمارك والمطار والمرفأ لكن سرعان ما توقف الحديث عنها ولم يعد يُسمع شيء عنها. لذلك يمكن اعتبار الطائفية والمناطقية وهما سببان رئيسان لضعف دولة القانون والمؤسسات في لبنان بيئة حاضنة أساسية للفساد والغش التجاري. ويمكن إضافة ضعف دور الرأي العام إلى ذلك. فمما يسترعي النظر في الحملة الأخيرة لوزارة الصحة على الأغذية الفاسدة أن غالبية الأشخاص الذين شملتهم استطلاعات وسائل الإعلام قالوا إنهم مستمرون في الشراء والأكل من المحلات والمطاعم نفسها التي وردت في بيانات الوزارة وكأنهم غير معنيين بالأمر. ولا شك في أن الاقتصاد اللبناني يتأثر سلباً باستشراء حالة الفساد فيه. فكثير من المناطق المحرومة تعاني غياب مشاريع البنية التحتية وقلة فرص العمل بسبب استيلاء بعض المتنفذين في القطاع العام على الأموال المخصصة لهذه المشاريع وعلى المساعدات الخارجية، وفق ما تنشر وسائل الإعلام. وثمة العديد من المشاريع التي كان ينوي القيام بها مغتربون في لبنان بهدف إنعاش بعض المناطق المحتاجة وتشغيل العاطلين من العمل توقفت بسبب مساومات بعض المسؤولين على حصصهم في هذه المشاريع. أما الذين يرون أن الإعلان عن تداول أطعمة فاسدة في المحلات والمطاعم سيؤثر في سمعة لبنان ويضرب سياحته فهذا إن حصل لن يكون إلا في الأمد القصير فقط وعلى نطاق ضيق. أما في الأمد الطويل فالأمر في مصلحة الاقتصاد اللبناني، فعندما يعرف الزائر والسائح أن الدولة مهتمة بسلامة الغذاء سيأتي وهو مطمئن إلى ما يأكل. وأعلنت وزارة الصناعة أخيراً قراراً مهماً يقضي بأن يشارك كل عامل في مصانع الغذاء والمطاعم ومحلات بيع الأطعمة في دورات خاصة بنظافة الغذاء وسلامته قبل أن يُسمح له بالعمل في كل منها. وحتى لا تقتصر ملاحقة الفساد بشخص وزير معين وتنتهي بنهاية ولايته من الضروري تكوين لجنتين في مجلس النواب أحدهما تتعامل بموضوع سلامة الغذاء وتكون مهمتها مراجعة القوانين والتشريعات القائمة وتقوم بتحديثها ومتابعة تنفيذها، وتختص الأخرى بمحاربة الفساد في القطاع العام ومتابعة ملفاته مع المسؤولين.

مشاركة :