في البداية.. هذا الرجل لا بد أن نوفيه حقه.. ونقول فيه كلمة حق يستحقها.. وأنه يقدم شيئا جديدا على هذه الأرض الطيبة يخدم به دينه ووطنه.. يساعده ويزكيه علمٌ واقتدارٌ كبيران.. وإخلاصٌ في العطاء لله وللوطن وللشعب. استطاع القاضي الشرعي البحريني القدير الدكتور الشيخ عبدالرحمن الفاضل أن يقدم خطبة جمعة في كل أسبوع تختلف كل الاختلاف عن غيرها، وعن كل سابقاتها.. إنها ليست مجرد خطبة جمعة.. إنها درسٌ وبحثٌ وبيانٌ في الدين والحياة.. يختار له في كل أسبوع أهم وأبرز أو أخطر قضية مطروحة أو فرضت نفسها على الساحة الوطنية البحرينية.. يحشد لها ما وهبه الله من علوم في الدين والمجتمع والحياة وثقافة شاملة.. ثم يأتي عطاؤه السخي عبر أمانة مطلقة وشجاعة في الطرح، وروعة بلاغة وبيان وسلاسة العرض.. فتتربع على عرش منظومة خطب يوم الجمعة على الأرض البحرينية المعطاءة بأهلها وناسها وعلمائها وإخلاص شعبها. جسَّدت خطبته ليوم الجمعة الفائت حول أخينا العزيز المظلوم المغدور الشهيد بإذن الله تعالى فضيلة الشيخ عبدالجليل بن حمود الزيادي قمة الروعة والاقتدار والشمول في أدائه النوعي في كل يوم جمعة.. فقد جاء طرحُه أكثرَ جرأةً وصراحةً وتميزًا وشمولاً.. حيث عالج في اقتدار القضيةَ بشتى جوانبها. عبَّر الشيخ عبدالرحمن الفاضل عن: كيف كانت الصدمة شديدة، والمصاب جلل، على ذوي المغدور وعلى أهل البحرين جميعا، جراء تلك الجريمة البشعة التي راح ضحيتها حافظ القرآن الكريم، وكافل الأيتام، والمحب للخير والساعي فيه، والعامل على إيصاله إلى مستحقيه.. بهذا شهد له الناس.. وهم شهداء الله تعالى في أرضه على خلقه. وكشف فضيلته عن أن هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها مؤذن المسجد الخائن.. قد جاءت غفلة وغدرا لتكون من أشنع الجرائم وأفظعها.. حيث لم يكتف هذا المجرم بالقتل.. بل مثَّل بالجثة أسوأ تمثيل.. فقد ارتكب هذا المجرم جريمته الشنعاء بقلب نُزعت منه كل ذرة من رحمة، ونفس تجردت من الإيمان، وروح خلَت من الإنسانية.. فلم يكن مرتكب هذه الجريمة بشرًا، فقد كان حيوانًا متوحشًا.. بل أدنى من ذلك وأضل سبيلا! وفي هذا الجانب أفاض فضيلة الشيخ الفاضل مستعينا بما ثقفه الله فيه وعلَّمه من علوم الدين والحديث، مجسدًا ومعبرًا عن فداحة واحدة من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله وهي قتل النفس بغير حق.. فأي ذنب وقع فيه مسلم كان له منه مخرجٌ إلا القتل.. (ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم). وبعد أن ألبس فضيلة الشيخ الفاضل هذه المأساة ثوبها الديني والإسلامي عبر اقتداره وعلمه المشهودين، عرج إلى الأبعاد الدنيوية والمجتمعية لهذه القضية المأساوية طارحًا سؤالا في غاية الأهمية وذكاء الطرح، قائلا: كيف عُيِّنَ هذا المجرم مؤذنا؟ ومن هو كفيله الذي أحضره ابتداءً؟ وهل تعاقد معه على أن يكون مؤذنا؟ أم أنه قد حوّل بعد ذلك ليؤذن ويؤم الناس في غياب الإمام؟!! سؤالٌ الإجابة عنه تكشف قمة الفوضى التي تُرتكب في سلوكيات التعامل مع العمالة الأجنبية.. وإعطاء الأمان والحرية في استباحة المجتمع البحريني.. فمن جاء عاملا لينظف أو يحمل الأمتعة، أو يسوي حشائش الأرصفة، يمكن أن يتحول ليصبح مؤذنا.. وقد يكون إماما يؤم المصلين! ويمسك الدكتور عبدالرحمن الفاضل بكل أبعاد هذه القضية الخطيرة، ويسبرُ أغوارها.. ويغوص في أعماقها ببراعة الخطيب المتمكن، فيقول بصراحة متناهية: «إننا بحاجة الآن إلى تحرك رسمي فاعل، وإلى حس وطني يدرك خطورة مشكلة كثرة العمالة الوافدة عامة، والمتسيبة المخالفة للنظام خاصة؟». ثم يشرح الشيخ هذا الذي تحدث عنه في جرأة نادرة، فيقول عن العمالة الأجنبية: إنها الخطر الداهم الذي يتحرك على الأرض، ويسرح ويمرح في الشوارع وكل الأماكن تحت كفالة أفراد متسلطين ومتنفذين، أو تحت مؤسسات وهمية تقوم بالمتاجرة بالتأشيرات، وبيعها من دون إحساس بالمسؤولية الوطنية التي ينبغي مراعاتها حفاظا على الوطن.. ثم يشرح في تفصيل مدى انتشار العمالة السائبة غير النظامية في الأماكن العامة وفي عمق الأحياء السكنية.. مسببة مئات المشكلات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.. ثم يصل فضيلة الشيخ عبدالرحمن إلى النتيجة الصادمة التي يبدو أن الكثيرين لا يستوعبونها.. أو أنهم لا يلتفتون إليها.. فيقول في صراحة وأمانة: «ليعلم المتاجرون بهذه العمالة الوافدة أن فعلهم هذا باطلٌ؟ وأن المال مقابل الكفالة لا يحلُّ شرعًا؟ بل هو حرامٌ؟»؛ أي أن «ما يأخذه الكفلاء من العمالة نظير كفالتهم أو تحويلهم إلى العمل عند آخرين، وتقاسم ما يحصلون عليه من مال، فإن هذا سُحْتٌ حرامٌ!!»، مُدَعمًا حديثه بما هو مقرر على أرض البحرين والذي يتم مداراته عمدًا مع سبق الإصرار والترصد قائلا: «لقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن مقابل الكفالة الوافدة؟.. فجاء الجواب: «كل ما يتعلق بجلب العمال وتشغيلهم عند غير من استقدمهم وأخذ أجر على الكفالة لا يجوز شرعا»، كما لا يجوز شرعا استقدام العمال وتركهم يعملون خلاف ما قررته الدولة، ولا يجوز للكفيل أن يأخذ منهم شيئا من المال مقابل كفالتهم، لأن ما يأخذه الكفلاء من العمالة هو سحتٌ حرامٌ!! بصراحةٍ، لا يجوز في الدولة التي كانت أول دولة في العالم يدخلها الإسلام بعد نزوله في الأرض التي نزل الإسلام بها ومهبط الوحي أن تسمح لنفسها بأن يُرْتَكَبُ على أرضها هذا الحرام وهذا السحت.. وكيف لأهل الإسلام على هذه الأرض المسلمة الطيبة أن يسمحوا لأنفسهم بأن يطعموا أبناءهم حرامًا وسُحتًا!! ولقد أراد الشيخ أن يقولها مستترة متسائلا: أليس هذا الذي يُرتكب على هذه الأرض متاجرةً بالبشر وبالأشخاص؟ وإذا كان الذين يرتكبون هذا الحرام قلةً على هذه الأرض.. فإن الغالبية العظمى يعون تعاليم دينهم ويرفضون المتاجرة بالبشر.. وأن العالم كله يعرف عن البحرين هذه الحقيقة.. حقيقة أن هذا الشعب يأبى المتاجرة بالأشخاص.. وأن العالم قد كرَّم البحرين باعتبارها من الفئة الأولى عالميًّا في مناهضة ومكافحة الاتجار بالأشخاص.. وتم تكريم أحد أبنائها «الأستاذ أسامة العبسي»؛ لكونه على رأس الرواد المكافحين لهذا النشاط الذي يخلُّ بمبادئ حقوق الإنسان وبالتعامل بالمبادئ السمحة!!
مشاركة :