استقبل المستهلك السعودي موافقة مجلس الوزراء على تنظيم جمعية حماية المستهلك، وقيام وزير التجارة بتعيين مجلس تنفيذي للجمعية، بكثير من الاطمئنان والارتياح. ويأتي ذلك بعد معاناة قاسية، عايشنا فصولها مع مجالس تنفيذية سابقة؛ افتقرت للعمل المؤسسي؛ وشابها الكثير من الارتجالية والخلافات الداخلية، وضبابية الرؤية في الخطط والترشيحات والبرامج، وضَعْف التواصل مع أعضاء الجمعية، وتهميش دورهم في مسيرتها؛ وهو ما أفقد الجمعية سمعتها ودورها في المجتمع. الأهم في المرحلة القادمة أن نتعلم من الدروس المستفادة من التجربة المريرة للجمعية خلال تلك الفترة، وأن يكون ذلك طريقاً لتصحيح المسار وتجويد العمل. وفي اعتقادي، إن هناك حزمة من الاستراتيجيات التي يجب أن تكون في صلب الأجندة للمجلس القادم، لعل من أهمها وضع خطة استراتيجية تحاكي واقع المستهلك في السعودية، تتوافق مع احتياجاته الفعلية وأولوياته، بعيداً عن التنظير المفرط، والبرامج غير المدروسة. كما أن الجمعية مطالَبة بفتح آفاق أوسع في الشراكة مع القطاعات الأخرى المعنية بالمستهلك، وأن تسعى لكسب ثقتهم بحرفية ومهنية، بعيداً عن الصدام وخلق العداوات. ولعل من أهم جوانب تلك الشراكة المساندة في تطوير الأنظمة والسياسات واللوائح المتعلقة بالمستهلك لدى تلك القطاعات. وأعتقد أن أحد أهم أولويات الجمعية الاستثمار في توعية المستهلك، وتعزيز جهود وزارة التجارة والقطاعات الأخرى في هذا الجانب، والعمل على صنع ما يسمى بتمكين المجتمع (Community Empowerment)، من خلال تشكيل مستهلك سعودي واعٍ، مطالِب بحقوقه، ومدرك لواجباته، والعمل على كسب تأييده لصالح قضايا حماية المستهلك، وتعزيز دوره في ذلك. كما أن التركيز على الدراسات والأبحاث من المجالات المهمة في المرحلة القادمة؛ إذ سيساعد ذلك على معرفة خصائص المستهلك السعودي، والتعرف على مشاكله واحتياجاته الرئيسة. والمجلس مطالَب أيضاً بالاستفادة من الخبرات العالمية لجمعيات حماية المستهلك، والعمل على نقل المعارف وأفضل الممارسات فيها. ومن أبرز تلك الجمعيات اتحاد المستهلكين (Consumers Union) الأمريكي، ومنظمة ويتش (WHICH) البريطانية، وكذلك جمعية حماية المستهلك (CHOICE) الأسترالية. وهي جمعيات غير ربحية، تهدف إلى رفع الوعي، وتقديم المشورة في مجال حماية المستهلك المتعلقة بالجوانب الحقوقية والصحية والمالية والغذائية والإعلامية وسلامة المنتجات، إضافة لإجراء البحوث ذات العلاقة، وتصل خدماتها إلى اختبار وفحص الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وغيرها من المنتجات، ونشر تقارير مفصلة حول مدى مطابقتها للمعايير. كما تصدر تلك الجمعيات إصدارات وتقارير دورية لأبرز القضايا والمستجدات المعنية بحماية المستهلك. وتشترك جميع تلك الجمعيات في وجود ممثل لها لدى معظم الجهات الحكومية ذات المساس المباشر بقضايا وجوانب حماية المستهلك. وغني عن القول أن أحد أهم استراتيجيات المجلس القادم هي تحسين الصورة الذهنية للجمعية لدى المستهلك السعودي، التي تشوهت كثيراً نتيجة الممارسات الخاطئة من المجالس التنفيذية السابقة؛ وهو ما يحتاج لعمل مضنٍ ومستمر. وقبل هذا وذاك، فحالياً يُعوّلُ جزء كبير في نجاح الجمعية على وزارة التجارة، من خلال سعيها إلى اختيار كفاءات وطنية للمجلس التنفيذي، تمتلك الخبرة والدراية الكافيتين في مجالات حماية المستهلك المتعددة، وصنع الأولويات ومهارات الإدارة، والقدرة على استشراف مستقبل المستهلك السعودي على المديَيْن القريب والبعيد. وفي الشق الآخر، وإن كنا سعداء بإعطاء وزير التجارة صلاحية تعيين المجلس التنفيذي، فيجب أن يكون ذلك لفترة مؤقتة. فنحن نؤمن تماماً بأن قيادات الوزارة في المرحلة الحالية يعملون جاهدين لمصلحة المستهلك، وتحقق على يديهم الكثير من النجاحات التي طالما طالب بها المستهلك السعودي منذ عقود، إلا أن هذه القيادات ستتغير يوماً ما، وقد يأتي من يعيد تلك النجاحات للوراء!! وهنا ستقع الجمعية في حرج كبير إذا ظلت صلاحية تعيين المجلس في يد الوزير!! على كلٍّ، فمهما بُذل من جهد لتجويد عمل الجمعية فلن يمكنها أن تنجح دون أن تمتد لها أيدي أعضائها ومساندة المجتمع لها، فهل أنتم صانعون ذلك؟ وهل ينهض الأعضاء المؤسسون للجمعية بدورهم، ويخرجون من عزلتهم السابقة؟!!
مشاركة :