مستشفى في حلب يلم شمل أطباء سوريين فرقتهم الحرب

  • 8/14/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الغندورة (سوريا) – تسحب ملكة حربلية برفق طفلا رضيعا من حاضنة داخل مستشفى في شمال سوريا وتحمله بين يديها التي تخفي القفازات المعقمة ندوب إحداها، قبل أن تبدأ إطعامه من زجاجة مملوءة بالحليب. قبل نحو عامين، اضطرت هذه الممرضة الشابة (31 عاما) مع زملائها إلى إخلاء مستشفى مخصص للأطفال في مدينة حلب بعدما استهدفته غارة جوية. وتجد نفسها اليوم مجددا مع الطاقم الطبي ذاته تعمل داخل مستشفى جديد في بلدة الغندورة في ريف حلب الشمالي الشرقي، الواقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة. تقول ملكة وهي ترتدي ثوبها الطبي الأبيض في مستشفى الأمل، “أفكر في الأطفال أولا قبل نفسي، لأنهم أمانة برقبتنا. إنهم أرواح صغيرة لا ذنب لها في الحرب”. في نوفمبر 2016، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر ملكة وهي تهرول برفقة أحد زملائها داخل غرفة وضعت فيها حاضنات محاولين إنقاذ أطفال رضع بعدما استهدفت غارة جوية المستشفى حيث كانا يعملان، وتبدو ملكة منهارة في الفيديو قبل أن تعمد إحدى زميلاتها لتهدئتها. كان هذا المستشفى المؤسسة الصحية الأخيرة المخصصة للأطفال في أحياء سيطرت عليها فصائل المعارضة بمدينة حلب، التي تعرضت لهجوم عنيف استمر أشهرا شنته قوات النظام بدعم روسي، وانتهى بسيطرتها على الأحياء الشرقية من المدينة في نهاية العام 2016 بعد إجلاء عشرات الآلاف من سكانها من مدنيين ومقاتلين. باب الشفاء مفتوح بالمجان باب الشفاء مفتوح بالمجان وبعد خروجها من مدينة حلب باتجاه منطقة أعزاز شمالا، ظنت ملكة أن معاناتها قد انتهت، قبل أن تجد نفسها بعد ثمانية أشهر ضحية تفجير سيارة مفخخة، لتنتقل إلى غرفة العناية الفائقة في أحد مستشفيات تركيا المجاورة. ورغم الآلام التي تشعر بها والعمليات العديدة التي خضعت لها، تحتفظ هذه الشابة بابتسامة لا تفارق وجهها، حينما تكون مهتمّة بالأطفال أو تحادث زملاءها. تقول ملكة بفخر، “رفاقي في المستشفى أعطوني الأمل كي أعيش، كانت إصابتي خطيرة… وحالتي سيئة”. خارج المستشفى، حيث تظلّل أشجار الصنوبر المدخل، يقف الدكتور حاتم مرحبا بزملائه القادمين قبل أن يعود إلى الداخل لفحص فتاة تتلوى متألمة على أحد الأسرة بسبب آوجاع بالبطن. وفي رواق المستشفى، عُلقت صورة كبيرة للدكتور محمد وسيم معاز، طبيب الأطفال الذي قتل إثر غارة جوية على حلب في أبريل 2016. وإزاء الغارات الكثيفة وبعد خروج مستشفى حلب عن الخدمة، وضع الدكتور حاتم وزملاؤه خطة تمكنهم من البقاء سويا دون التخلي عن عملهم في معالجة الأطفال. يقول الطبيب (32 عاما)، الذي بات المدير التنفيذي لمستشفى الأمل، مفضلا عدم الكشف عن كنيته، “كانت فكرتنا الأساسية أننا أينما نذهب نريد أن ننشئ مستشفى للأطفال”. وبعد نحو شهر، تمكنت “منظمة الأطباء المستقلين” السورية ومقرها تركيا بالتعاون مع منظمة “كان دو” البريطانية، من تأمين التمويل اللازم عبر حملة جمع تبرعات على مستوى العالم لإنشاء مستشفى جديد على أن يتيح له هذا المبلغ العمل لعام واحد على الأقل. ويقول حاتم، “لم نكن نتخيل أننا سنجد المبلغ كله في ثلاثة أسابيع فقط”. وجرى افتتاح مستشفى الأمل في أبريل عام 2017 في بلدة الغندورة بعد تزويده بالمعدات اللازمة من بريطانيا عبر تركيا ليتحول إلى منشأة طبية مجهزة بالكامل مع تسعة حاضنات للأطفال، وعيادة لسوء التغذية ومختبر وغرفة طوارئ. أفكر في الأطفال أولا قبل نفسي، إنهم أرواح صغيرة لا ذنب لها في الحرب أفكر في الأطفال أولا قبل نفسي، إنهم أرواح صغيرة لا ذنب لها في الحرب ويوضح حاتم، “لم تكن هناك في المنطقة أي نقطة طبية حين أسسنا هذا المستشفى الذي منح الأمل لسكان وأطفال هذه المنطقة”. في البداية، كان يجري توجيه النساء الحوامل إلى مستشفيات أخرى لكن مع مرور الوقت جرى إنشاء قسم خاص بالتوليد والطب النسائي. يقول حاتم، “بشكل عام، الفريق هو ذاته الذي كان يعمل في مستشفى حلب، لكن بسبب حجم العمل الكبير هنا والإقبال المتزايد علينا، اضطررنا إلى زيادة عدد الطاقم” الذي بات يفوق الـ30. ويستقبل المستشفى خلال شهر ما بين 8500 و9500 مريض أو مصاب قادمين من المنطقة ومحيطها. ويضيف حاتم، “مستشفى الأمل هو فعلا عبارة عن نقطة أمل، فقد جعل الطاقم الذي كان موجودا في حلب يشعر أنه لا تزال هناك إنسانية في العالم” جراء التبرعات الكبيرة التي سمحت بإنشائه. لكن بعد أكثر من عام على تأسيسه، بدأ التمويل بالتراجع مع فشل حملة تبرعات جديدة في تأمين المبلغ اللازم، لكن حلا آخر يلوح في الأفق، إذ يأمل الطاقم الطبي بتوقيع عقد مع منظمة الأمم المتحّدة للطفولة (اليونيسف) يتيح استمرار عمل المستشفى لستة أشهر جديدة على الأقل. ويقول المدير الإداري للمستشفى رياض نجار (31 عاما)، “هناك غصة تلاحقك لأنك غادرت مدينتك، لكننا هنا أيضا لدينا فرصة لأن نخدم الناس”. ولا يقتصر عمل المستشفى على معالجة أطفال المنطقة بل يستفيد منه أيضا الكثير من النازحين السوريين القادمين من مناطق عدة في البلاد بدءا من مدينة حلب وصولا إلى محافظة حمص (وسط) والرقة شمالا. ويضيف نجار، وهو جالس خلف مكتبه وإلى جانبه شاشة لكاميرات المراقبة عند مدخل المستشفى، “إنه أمر مميز جدا أن تعود لتقدم الخدمات الطبية وتعين هؤلاء في حياة النزوح التي يعيشونها”.

مشاركة :