الكويت - ضيقت أزمة الليرة التركية هامش المناورة على الرئيس رجب أطيب أردوغان بعد أن حذت الكويت حذو قطر ونأت بنفسها عن مساعيه للحصول على دعم استثماري خارجي لوقف الانحدار الكامل للعملة التركية. يأتي هذا فيما تقول أوساط اقتصادية وخبراء إن حصر أسباب أزمة الليرة في التوتر مع واشنطن ووجود مؤامرة على الاقتصاد التركي، أمر يناقض الواقع، فهناك أسباب ترتبط بشكل مباشر بالسياسة الاقتصادية التقليدية التي يتبناها الرئيس التركي. ورفضت وزارة المالية الكويتية تقديم أي قروض لتركيا أثناء زيارة خاطفة قام بها وزير الخزانة والمالية التركي وصهر أردوغان، براءت البيرق، الذي التقى نظيره الكويتي نايف الحجرف في اجتماع قصير لم يتجاوز 40 دقيقة عقده في مطار الكويت. وحسب المصادر فقد طلب البيرق من الكويت تقديم يد العون لإنقاذ الليرة التركية التي تواجه انخفاضا قياسيا غير مسبوق. وأوضحت وزارة المالية الكويتية في بيان أن الاجتماع بين الوزيرين تطرق إلى اطّلاع الإدارة المالية في الكويت على آخر التطورات الاقتصادية التركية، لا سيما أن للكويت استثمارات عديدة في تركيا. وقالت المصادر إنّ البيرق طلب من نظيره تقديم دعم مالي يقدر بـ500 مليون دينار كويتي أي ما يصل إلى 1.6 مليار دولار أميركي، من أجل دعم وإنقاذ الليرة التركية. وأكدت المصادر أن الكويت رفضت تقديم هذا المبلغ نظرا للتوقعات التي تشير إلى أن الوضع الاقتصادي في تركيا يتجه نحو الانحدار يوما بعد يوم. ونفت وزارة المالية الكويتية، الاثنين، صحة ما تداولته بعض المواقع الإخبارية حول ضخ 1.6 مليار دولار أميركي لدعم الليرة التركية، مؤكدة أن هذا الخبر ليس له أساس من الصحة. وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة في بيت التمويل الكويتي (بيتك)، ثاني أكبر بنك من حيث الأصول في الكويت، الثلاثاء، إن محفظته التمويلية لوحدته التركية مستقرة ومتنوعة بين الليرة والعملات الأجنبية الرئيسية. وذكر الرئيس التنفيذي مازن الناهض في بيان أن مؤشرات النمو التي يحققها بيت التمويل الكويتي التركي (بيتك تركيا)، التابع لبيتك الكويت، تشكل “مصدات لمواجهة انخفاض قيمة الليرة التركية”. ويشير مراقبون خليجيون إلى أن الكويت لا يمكن أن تجازف بضخّ أموال في اقتصاد مهزوز وفي ظرفية سياسية غير ملائمة، خاصة أن الدبلوماسية الكويتية اتسمت مواقفها دائما بالعقلانية والحذر في التعاطي مع مختلف الملفات بما في ذلك ملفات أقل حدة من الأزمة التي تقف فيها تركيا بمواجهة الولايات المتحدة. ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الكويت لا يمكن أن تغامر بإرباك علاقتها الاستراتيجية بواشنطن لدعم رئيس تركي مغامر لم يقرأ حسابا لمصالح بلاده مع الأميركيين ولقدرتهم على ردّة فعل قوية كالتي تحصل الآن. وبعد فشل المحاولة في الكويت، أجرى أردوغان، اتصالا هاتفيا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في محاولة لحثه على تقديم الدعم المالي العاجل للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية. لكن قطر تلازم الصمت إلى حدّ الآن على عكس ما عرفت به في السابق من إعلان مساهماتها والمفاخرة باستثماراتها في تركيا، فضلا عن فتح البلاد أمام المنتجات التركية المختلفة. بعد الفشل في إقناع الكويت بإنقاذ الليرة بعد الفشل في إقناع الكويت بإنقاذ الليرة وأثار صمت قطر إزاء النزاع الدبلوماسي بين أنقرة وواشنطن، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، غضب وسائل الإعلام التركي الموالية لأردوغان، وعلى رأسها جريدة “تقويم”. وتساءلت الصحيفة القريبة من الحكومة “كيف تكون هذه صداقة؟”، واصفة صمت الدوحة بـ”الخيانة”، وذكرت قراءها بأن تركيا دعمت قطر ضد مقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين. وتطرقت جريدة “الصباح” الموالية للحكومة أيضا لصمت قطر لكن بطريقة أقل حدة، ولجأت لتذكير المجتمع التركي بموقف أنقرة في دعم الدوحة. واكتشف الرئيس التركي أن لا أحد يمكن أن يقف إلى جانبه في المغامرات غير المحسوبة، تماما مثلما سمع في السابق مواقف صريحة تحثه على عدم التورط في الملف السوري وعدم إغضاب دول الخليج ومصر لحسابات ضيقة، وإلا لكان الآن قد وجد داعمين من الحجم الكبير للخروج من أزمته المالية. وربما يكون أردوغان قد تفاجأ حين سمع كلاما أكثر دعما له من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالمقارنة مع حلفائه الذين كان يراهن على أنهم سينقذونه، لكنهم اكتفوا بمبادلته الوعود تماما مثلما كان يفعل معهم. وقال العبادي لدى استقبال أردوغان له في المجمع الرئاسي بأنقرة “نقف إلى جانب تركيا في قضية الليرة وندعمها في كافة التدابير التي ستتخذها”. لكن المراقبين يعتقدون أن رئيس الوزراء العراقي لا يمكن أن يجازف بتصريحات جديدة تربك علاقته مع الولايات المتحدة مثل التصريحات الأخيرة بشأن الالتزام بالعقوبات التي أغضبت إيران ودفعته إلى الالتفاف عليها، ما جعله في وضع صعب مع الأميركيين. وتقول أوساط تركية إن أردوغان وصل إلى نتيجة صادمة، وهي أن افتعال الأزمات السياسية يؤدي دائما إلى الأزمات، وهو ما حصل له في الأزمة السورية، كما في التوتر مع روسيا، فضلا عن التصعيد مع الاتحاد الأوروبي، وإنه سيجد نفسه مضطرا إلى البحث عن مخارج ولو ضعيفة لاسترضاء الأميركيين. وتعتقد هذه الأوساط أن الخطوة الأولى هي الإفراج عن القس الأميركي المحتجز آندرو برانسون، وأن المدخل إلى ذلك متوفر بعد أن وجه الأخير التماسا للمحكمة التركية لإطلاق سراحه، مشيرة إلى أن هذه الخطوة قد تكون بإيعاز من الرئاسة التركية أو من وسطائها في الأزمة لفتح كوة ضوء في نهاية النفق. وقال محامي برانسون إن موكله قدم التماسا إلى المحكمة لإطلاق سراحه بعد وضعه رهن الإقامة الجبرية وطالبها برفع حظر السفر المفروض عليه. وجاء في طلب الالتماس أنه يتعين على المحكمة أن توقف أي تدخلات سياسية غير قانونية وأن ترفع أحكام الرقابة القضائية المفروضة على القس. والتقى سردار قليج السفير التركي في واشنطن، الاثنين، مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون. وأوضحت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية سارة ساندرز، في بيان، أن اللقاء جرى في البيت الأبيض. وأضافت ساندرز أنّ بولتون وقليج تناولا في لقائهما قضية القس برانسون، إضافة إلى العلاقات الثنائية. Thumbnail ويرى الخبراء أن الأزمة التركية الحالية هي أزمة سياسية بالدرجة الأولى، وأنها ليست وليدة اللحظة وإنما نتاج تطورات استمرت سنوات، وفجرها الآن استحواذ الرئيس التركي على جميع الصلاحيات وتعيين صهره وزيرا للمالية ليكون صاحب الكلمة الأولى في ملف الاقتصاد. وقال أولتر توران أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول بيلجي التركية إن أردوغان أطال أمد الخلاف مع الولايات المتحدة لعدة أسباب، أولها “أن فهمه الشخصي للشؤون المالية يختلف تماما عن القواعد التقليدية للشؤون الاقتصادية. وإيمانه القوي بأن أسعار الفائدة المنخفضة أساسي للحد من الأسعار، هو أحد الانعكاسات الرمزية لهذا الفهم”. وأضاف توران أنه “لا يمكن أن نتوقع انتباه أردوغان إلى تحذيرات الخبراء بشأن البنك المركزي أو أسعار الفائدة أو غيرها من الموضوعات ذات الصلة”، وأن الوقت قد فات جدا بالنسبة لأنقرة لتفادي الأزمة الاقتصادية، التي ستكون لها عواقبها السياسية، مضيفا أن تراجع الليرة سيؤدي إلى تأثير سلبي فوري على قاعدة دعم أدروغان، ولهذا فالرئيس يتبنى موقفا قتاليا ممزوجا بخطاب وطني حماسي. أما المحلل الاقتصادي مصطفى سنوميز فيقول إن أردوغان يريد استغلال التوترات السياسية “لكي يخفي الحالة الهشة للاقتصاد التركي.. إنه يريد تصوير مشكلات الاقتصاد باعتبارها نتيجة هجوم اقتصادي على البلاد، وهذا ليس حقيقيا، فحكومته هي التي صنعت الأزمة”. وأشار سنوميز إلى أن النظريات الاقتصادية غير التقليدية لأردوغان أدت إلى تسييس عمل البنك المركزي وبالتالي تراجعت ثقة الأسواق في تركيا إلى درجة لا تسمح باحتواء الأزمة.
مشاركة :