عندما خلق الله الأرض والحياة والموت والرزق والشمس والقمر والعبادات وكل شيء، جعل ذلك بقدر معلوم وزمن محدد، أن اختل ثوان معدودة، اختل نظام الكون وفسد كل شيء، وهذا يعلمنا أن للوقت قدسيته، وأن ما من حياة تستقيم ما لم نحترم الساعة والزمن. وهذا يجعلنا نتساءل؛ الوقت.. وما أدراك ما الوقت؟ أقسم ربنا تجلى وتعالى بالعصر، كناية عن الزمن بصورة عامة، وبالضحى وبالفجر كناية عن الوقت، ليبعث لنا برسالة يدركها كل ذي عقل رشيد عن الوقت وأهميته في حياتنا، سمعنا وقرأنا وتغنينا وعظمنا كثيراً من قيمة الوقت لأنه أول خطوات تنظيم وضبط صغير الأمور وكبيرها، فأحكام الوقت تفصل في كثير من شرائع الأمور، بحيث لا يصح تقديمها أو تأخيرها الا ضمن ضوابط الساعة والزمن. لذلك، فمن يستطيع التصالح مع الوقت سينجح في صناعة حياة أجمل في علاقته مع الله ثم مع الآخرين وفي استثماره للحظة التي تعود عليه بالثقة والنجاح والإبداع والإنتاج. ما يزعجنا في حياتنا استهتار البعض بالوقت، ببخس قيمته والتفريط بأوقات كثيرة من دون الاستفادة منها كما يجب، من أمثلة ذلك ما يحدث في بعض العيادات والمستشفيات التي لا تحترم وقت المراجع ولا جيبه، بحيث تعطي أكثر من مريض موعدا في الوقت نفسه لتمتد فترة الانتظار إلى ما قد يتجاوز الساعتين أحيانا، والمضحك أن المراجع عند دفع الفاتورة يفاجأ بأرقام خيالية وكأن ضياع وقته ميزة يدفع ثمنها! ما يحدث في بعض المستشفيات يحدث أيضاً في المحاكم، إذ تنحر قيمة الوقت بين تأجيل وعطل «السيستم» والتأخير أو عدم الحضور، الذي أصبح حيلة من أراد الهرب من عدالة الأحكام، ما يؤدي إلى ارتباك في كل شيء، فحياة البعض ومصائرهم قائمة على حكم قضائي لتسير حياته كما يجب. الوقت يمضي بلا عودة، وقائمة من لا يدركون أهميته تطول، في الدوائر الحكومية التي يخضع الوقت فيها لمزاج الموظف في كثير من الأحيان، في السفر يسبب عطل هنا أو خلل هناك، في الجامعات عندما تتأخر في تحقيق رغبات الطلاب وقبولهم فيها، ومن ثم ضياع الوقت على أيد المؤسسات المعنية في توظيف الشباب لعدم تقديرها لحاجة المجتمع من الموارد البشرية والكفاءات التنموية لسدها في الوقت المناسب، ما يجعل المتفوق يغادر قطار الإبداع مبكراً لأنه لم يجد مسؤولا يقدر تواجده في الوقت المناسب الذي يحتاجه فيه الوطن والمجتمع، على رغم أننا في زمن السباق مع الزمن لتحقيق رؤى الخير التي تكفل لنا حاضرا مشرقا ومستقبلا يليق. إن أردنا الوصول إلى الغايات المطلوبة والأهداف المرجوة، فعلينا أن نعالج استهتارنا كأفراد وجماعات ومؤسسات بالوقت استهتارنا الذي سيؤخرنا كثيراً، وسيربك مسيرة النماء التي من المفترض أن نخالف فيها قوانين السير وننطلق بسرعة جنونية لنصل إلى هدفنا بأمان، وهذا لن يحدث ما لم نحترم الوقت ونقدر قيمته. القرار الذي يصدر في الوقت المناسب يكون رحمة للكل، ولكن عندما يتأخر عن وقته تتبخر فائدته. «الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك» مثل متعب، ولكنه حقيقة لو تحكمنا فيه مبكراً لقطعنا كل شيء يرهقنا وسمحنا للراحة والسعادة أن تملأ حياتنا، لذلك فالناجح في حياته من يستطيع يراعي حرمة الوقت لتقبل عليه النجاحات، لذلك فلا بد أن تعود للوقت هيبته، وأن نحرص على احترامه، فلا يصح أن تذهب أوقاتنا سدى بسبب عدم تقدير البعض لأهمية الساعة التي أن لم نستثمر عقاربها لصالحنا ماتت أحلامنا من سم لدغاته. ——————————————————– الحياة تغريد الطاسان
مشاركة :