تداول مقطع فيديو لفتاة سودانية يظهرها وهي تدخن قاد إلى جدل كبير وتعداه إلى المطالبة بسجنها. في مقالها* لـ DW عربية تتناول رشا حلوة دور منصات التواصل الاجتماعي في انتهاك الخصوصية وعواقب ذلك على المرأة السودانية. تعود السودان هذه الأيام إلى العناوين الإعلامية لقضية تخصّ حقوق الإنسان، وبالأخص حقوق المرأة وحريتها وخصوصيتها، فقبل أيام تعرّضت فتاة سودانية مقيمة خارج السودان إلى حملة شرسة أثر فيديو نُشر (بلا معرفتها ولا موافقتها)، وهي تجلس مع صديقاتها في مقهى، تدخن الأرجيلة وتتحدث عن انتهاكات الشرطة. هذا الفيديو "الخاص"، الذي وثّق جلسة أصدقاء، نُشر بلا موافقة الفتاة المتحدثة، حيث أن هذا الفعل، هو بالدرجة الأولى انتهاك لخصوصية الفتاة وأي شخص لم يوافق على نشر الفيديو. على أثر الفيديو، تعرّضت الفتاة إلى حملة شرسة، وصلت إلى المطالبة بسجنها عند عودتها إلى السودان. مما أدى ذلك إلى أن تنشر الفتاة فيديو تعتذر فيه عن كلامها وتشير إلى أنّه أُخرج من سياقه، مشيرة إلى أن حديثها كان عن أحد أفراد الشرطة الذي تسبب لها بمشاكل عديدة دفعتها إلى مغادرة السودان فيما بعد. الحملة اللاذعة ضد الفتاة، لها مستويات عديدة، لكن بلا شك، المستوى الأوّل والأساسي المحفز للهجمة غير مفصول عن كوّنها امرأة، فالنقد الموّجه لها لم يكن فقط لأنها "تحدثت عن الشرطة بسوء"، بل تضمن أيضًا وصف الفيديو بأنه مخلّ بالآداب، هذا الوصف الناتج عن تعامل العقليات الذكورية مع النساء، هذه العقليات التي لا ترى بأن الأمر "المخلّ بالآداب" ليست الفتاة ولا حريّتها الشخصية ولا رأيها، إنّما مع من انتهك هذه الحرية بنشر الفيديو والهجوم عليها. في حديث مع (س.)، من السودان، والتي أشارت في حديثها عندما توجّهت إليها للحصول على إفادة: "أنا محبطة جدًا، لدرجة غير قادرة على قول شيء بالموضوع"، وأضافت: "أوّلًا، هنالك انتهاك مخيف للخصوصية، وواضح أن الشخص الذي صوّرها لديه أحكام أخلاقية على الفتاة. إضافة لمجتمع ودولة، يرون بأنه من حقهم التدخل في كل ما يخص حيوات النساء، حتى عندما يخرجن من البلد. الفتاة قالت إنها في مكان أفضل وتشعر بحماية. أُجبرت بعدها بالاعتذار، على الرغم من أنها هي الضحية. بالإضافة إلى ذلك، لما كل هذا الغضب بأن الشرطة تهين النساء؟ الشرطة تنتهك خصوصيتنا وحياتنا كل يوم!". السلطة التي يفرضها المجتمع على النساء، غير مفصولة عن السلطة السياسية التي تتحكم بهن وبحياتهن وسلوكهن وحتى كيف على المرأة أن تمشي في الشارع. فقبل فترة، ألقت الشرطة السودانية القبض على مجموعة من السودانيات بتهمة "ارتداء زي فاضح"، فالمرأة في السودان تخضع لقمع قانوني، بالمقابل، يرتبط القمع المجتمعي ارتباطًا وثيقًا بهذا، حيث يرى أفراد كثيرين في المجتمع، حتى أولئك الذين لا تربطهم أي علاقة عائلية أو قريبة من الفتاة (هذا لا يعني أن من تربطه علاقة بالفتاة له الحق بالتحكم بها)، بأنهم "المسؤولين" عنها وعن "تصرفاتها"، وأن أي فعل أو قول منها يؤثر مباشرة على "شرف الدولة والمجتمع" وما إلى ذلك. في حديث مع (ع.)، وهي فتاة من السودان، حول الأسباب التي أدّت للهجمة على الفتاة، قالت: "في السودان، هنالك سلطة أكبر من سلطة القانون، وهي السلطة الاجتماعية، وكل شخص أظلم من الآخر. هذه السلطة الاجتماعية أقوى وأكثر تأثيرًا، ولسبب ما، هنالك فهم مغلوط في السودان، بأن أي تصرّف لسودانية أو سوداني، كان إيجابيًا أو سلبيًا، هو مربوط بكرامة وشرف الشعب السوداني كلّه". السلطة الاجتماعية هذه، هي سلطة أبوية، تُترجم في الفيديو الذي نُشر مؤخرًا وفي فيديوهات كثيرة نُشرت عبر الفضاء الإلكتروني تحت عناوين مثل: "فضائح السودانيات خارج السودان". وفي غياب سلطة القانون السوداني على النساء خارج السودان، يقوم بعض أفراد المجتمع المقيمين خارج البلد أو الزائرين، بانتهاك حرية النساء وخصوصيتهن من خلال ملاحقة تصرفاتهن وتوثيقها عبر الصور والفيديو! وهذا نابع من رغبة وإصرار بعض الرجال، في السودان وخارجه (وفي دول أخرى أيضًا)، بالسيطرة على النساء، أجسادهن وأخلاقهن، الناتج عن عقلية ظالمة وقامعة تعتقد بأن المسؤولات عن "شرف البلد والعائلة" هي نسائها، هذه العقلية التي تُترجم في أفعال عديدة، وبأساسها العنف ضد النساء الذي يصل في أحيان كثيرة إلى قتلهن. في حديث مع (د.)، وهي مدوّنة وناشطة نسوية، قالت: "انتهاك خصوصية النساء، خارج السودان، تتجسد أيضًا بتوثيق بصري، من خلال فيديوهات وصور، لأشكالهن وتصرفاتهم من قبل رجال. عندما يرى رجلًا فتاة تجلس في مكان يعتقد بأنه غير مناسب، يحاول فورًا تصويرها. النظام العامّ الذي هو جزء من القوانين السودانية، أصبح جزءًا من ثقافة السودانيين، وفي غياب القانون السوداني في الخارج، يقوم أفراد من المجتمع بتنفيذه والقيام بدور النظام العامّ. هنالك مجموعة تكوّنت عام 2015 باسم "مجموعة الطهارة"، لرصد تصرفات سودانيات في الخارج، ونشر معلومات عنهن وعن أسرهن والمناطق التي يعيشون فيها. وهنا تعدّت المسألة من كونها التحكم بالسودانيات خارج البلد، إلى التنكيل بهن وبأسرهن، وهذا يشكّل خطرًا على الفتاة وعلى أسرتها". من هنا، بإمكاننا أن نتخيّل تداعيات الهجمة التي تعرّضت لها الفتاة أثر نشر الفيديو عليها، والخوف الذي عاشت وتعيش به نتيجة للتهديد، هذا الخوف الشرعي للضحية، سواء على نفسها أو على أسرتها، الذي جعلها فيما بعد تعتذر من خلال فيديو علني، عن هذا تضيف (د.): "الأمر الإضافي بما يتعلّق بفيديو الاعتذار، بأنه لربما قدّمت شرطة النظام العامّ بلاغًا ضدها، وبالتالي، هنالك خوف من الاعتقال في المطار، في حال رغبت في زيارة أسرتها يومًا ما". مرعب هذا الخوف الذي ما زال حاضرًا في حياة النساء حتى عندما يخترن أن يعشن في مكان بعيد، لأسبابهن التي يخترنها؛ للعمل أو للبحث عن مساحة أكثر حرية. والمرعب أكثر، أنّه حتى في دوائر نعتقد بأنها "آمنة"، بالأساس بوجود أصدقاء، نكتشف فيما بعد بأنها الأكثر خطرًا، وسط أفراد أصحاب عقليات ذكورية، يعتقدون بأن لهم الحق بانتهاك حرية وحقوق النساء، والأخطر، عندما يجد هؤلاء الأفراد، من يحمي جرائمهم هذه في المجتمعات، وبالمقابل، الخطورة في مواصلة المجتمعات بإلحاق اللوم على الضحية، سواء في السودان أو في أماكن كثيرة أخرى. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :