مصطفى الجمال ناعيا سمير أمين: انطفأ مصباح للعلم والفكر

  • 8/15/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نعى الكاتب مصطفى الجمال، المفكر الراحل سمير أمين، قائلا: انطفأ مصباح باهر للعلم والفكر والثورة.. فاضت روح سمير أمين وغادر عالمنا تاركًا وراءه إرثًا هائلًا من الفكر والدراسة واستبصار المستقبل. رحل آخر عظماء جيل الخمسينيات.. وأكثرهم تأثيرًا في العالم وليس في مصر والمنطقة العربية وحدهما.وقال الجمال لـ"البوابة نيوز": "كنت أفخر حينما أرى مدى إعجاب الثوار وحتى الرأسماليين "المستنيرين" لعمق أفكاره، وابتكاره الدائم للحلول.. وتنبؤاته التي تثبت صحتها في أغلب الأحوال ما لم تتغير لظروف وتأتي بتطورات غير محسوبة".ووصف الجمال الرجل الذي ولد عام 1931 بأنه لم يتوقف يومًا واحدًا عن القراءة والكتابة والترحال في أربعة أركان العالم "وقد وطَّن نفسه منذ الصغر على التفرغ لتحرير شعبه والإنسانية كلها.. وكان بإمكانه أن يصبح مليارديرًا بعلمه الغزير وإلمامه بأدق تفاصيل الصراع والحياة في معظم أقاليم العالم، لو كان قد فكر في نفسه بأنانية واختار العمل لدى إحدى مؤسسات التمويل الدولية مثلًا. لكنه اختار الصعب والشريف من بين الاختيارات الوفيرة التي أتيحت له عن سعة.. فهو صاحب العقلية النادرة اختلار الطريق الشائك وانخرط منذ صغره في الحركة الوطنية، وتعمق اختياره أكثر بالارتباط بالحركة الاشتراكية في مصر قبل الثورة".وأضاف الجمال أن سمير أمين بهر أساتذته في جامعة السوربون حين حصل على الدكتوراه منها في الاقتصاد "لكنه آثر العودة إلى وطنه والانخراط في النشاط اليساري السري مع رفاق بقامة فؤاد مرسي وإسماعيل صبري عبد الله وآخرين.. بيد أن رفاقه خشوا عليه من سنوات اعتقال طويلة محتملة فطلبوا منه الخروج من مصر أواخر الخمسينيات. وبمجرد خروجه انفتحت أمام سمير أمين آفاق أوسع بكثير فالتف حوله كثير من لمناضلين اليساريين في كافة أنحاء العالم.. فقد اتسمت بحوثه وكتاباته بالدقة والمبدئية والبصيرة الثاقبة.. وأصبح الراحل العظيم من أهم النظريين الماركسيين في العالم".وتابع "أوصله تفكيره الحر إلى نقد عورات التجربة السوفيتية في وقت كانت انتصاراتها تعشي أنظار كثيرين.. واقترب فكريًا من التيارات الماوية وأدرك أهمية التجربة الصينية لنضالات القوى التقدمية في العالم الثالث.وعلى المستوى الفكري أنجز الرجل أكثر من مائة كتاب علمي ترجمت إلى كل لغات العالم المتصورة.. ومن أهم إنجازاته الفكرية اشتراكه في صياغة نظرية التبعية، واستحالة إنجاز "اللحاق" بالدول الرأسمالية المتقدمة طلما ظلت آليات الاستعمار الجديد تعمل عملها من استغلال على صعيد عالمي ونهب للموارد الطبيعية والبشرية".ولفت الجمال إلى أنه حينما جاءت موجة العولمة في التسعينيات كان أمين هو القائد لحركة مناهضة العولمة وإنشاء المنتدى الاجتماعي العالمي في مواجهة منتدى ديفوس "وأطلق فكرته العبقرية عن الثالوث الذي يحكم عالمنا من ثلاثة مراكز في أمريكا الشمالية وأوربا واليابان، وإن ظلت الولايات المتحدة محتفظة بقمة هذا الهرم بفضل جبروتها العسكري والنووي.. وتوصل سمير أمين إلى أننا نعيش عصر الاستعمار "الجماعي" حيث استطاعت القوى الرأسمالية العظمى التوصل إلى تفاهمات فيما بينها تحول دون إعادة إنتاج الحروب العالمية، ليتفرغ رأس المال المالي العالمي المتعدي للقوميات إلى تعظيم أرباحه بلا حدود، مسنودًا بالتدخلات العسكرية والاستخبارية هنا وهناك".ولفت إلى أن سمير أمين كان مؤمنًا بضرورة أن تعيد شعوب العالم الثالث وقواها الوطنية العمل بروح باندونج، والارتقاء بالتعاون الجنوبي/ الجنوبي.. ولم يُخفِ مواقفه هذه حتى عندما عمل مديرًا لمعهد الأمم المتحدة في داكار (السنغال).. بل بادر مع رفاقه الأفارقة بإنشاء المجلس الأفريقي لتنمية بحوث العلوم الاجتماعية (وهو أهم مؤسسة من نوعها في القارة) ومنتدى العالم الثالث، وشارك منذ البداية في إنشاء مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة مع نخبة من سبعين مفكرًا وأكاديميًا وسياسيًا، وكن رئيسه بعد الراحلين العظيمين فؤاد مرسي وفوزي منصور.وأشار إلى أن كتب سمير أمين كثيرة وبالغة الأهمية "ولا يمكن أن تجد كتابًا في الاقتصاد السياسي مثلًا لا توجد به إشارات أساسية لأعمال سمير أمين.. مثل "التراكم على صعيد عالمي"، "التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة"، "الطبقة والأمة في التاريخ والمرحلة الإمبريالية"، "أزمة الإمبريالية بنيوية"، "أزمة المجتمع العربي"، "ما بعد الرأسملية"، "من نقد لدولة السوفيتية إلى نقد الدولة العربية"، "نقد روح العصر"، "اشتراكية القرن الحادي والعشرين"، "الإسلام السياسي في خدمة الإمبريالية"، "ثورة أكتوبر"... إلى آخر أعمال تأسيسية جبارة ذكرت منها ما خطر ببالي عفوًا".وتحدث الجمال عن آخر ما ربطه بالراحل قائلا "كانت آخر مراسلات بيننا منذ أسابيع قليلة حيث ترجمت له دراسة حديثة عن اليوان الصيني وعمل البنوك الأجنبية في الصين.. وهي الدراسة التي طلبه الرئيس الصيني بنفسه. سمير أمين شخصية عصيّة على الوصف أو التأطير، فهو عالم وسياسي وحركي.. قبل ذلك كله إنسان خارق النشاط حتى إذا قورن بشباب العشرين.. بالغ الجدية في عمله وطيب المعشر وأيضًا ذو روح مرحة تعشق النكتة والتفاؤل!! إن عصورًا متلاحقة قد أنجبت هذا الرجل الفذ، ونضجت شخصيته وأفكاره وإنجازاته في آتون عمل لا يتوقف وجولات فكرية وسياسية لا تنتهي في مختلف أرجاء المعمورة"؛ واختتم قوله "نصيحتي لشباب اليوم الجاد.. اقرأوا هذا الرجل بجدية.. واقتدوا بتفانيه من أجل الوطن والشعب وجماهير العاملين".

مشاركة :