وجهة نظر: هدم مسجد يهدد السلام في مقاطعة صينية يقطنها مسلمون

  • 8/15/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةWEIBOImage caption مسجد ويتشو يضم قباب ومآذن على الطراز الشرق أوسطي تعتزم الصين مواصلة إحكام سيطرتها على طرق الممارسات الدينية، في الوقت الذي تنذر فيه تهديدات بهدم مسجد في مدينة كانت يوما ما تحترم القانون بردود فعل عكسية. في صباح يوم بارد في أوائل فبراير/شباط 2016، وقبيل شروق الشمس، وقفت في ساحة فناء أحد المساجد ببلدة ويتشو الصغيرة الريفية التي تقطنها أغلبية مسلمة بمنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي. وبجواري سارع نحو 150 رجلاً، معظمهم يرتدي الزي الأبيض التقليدي وبعضهم بلحية طويلة، إلى حمامات المسجد من أجل الوضوء استعدادا لصلاة الفجر. وانطلق الآذان من مكبرات الصوت في المساجد الأخرى. وتجمع الرجال يؤدون الصلاة ويبدأوا يوما جديدا في هذه المنطقة. وبعد ذلك بعامين، تجد بلدة ويتشو الصغيرة نفسها متورطة في صراع متنامي بين الحكومة ومواطنيها المسلمين، بشأن خطط تهدف لهدم المسجد الكبير الذي جرى الانتهاء من تشييده مؤخرًا. وبررت الحكومة المحلية قرارها بهدم المسجد بحجة أنه لم يحصل على تراخيص البناء المناسبة، ما جعله "مبنى غير قانوني". ورداً على ذلك، أقام السكان المسلمون بمنطقة نينغشيا داخل المسجد لعرقلة عملية الهدم.مصدر الصورةDAVID STROUPImage caption يضم المسجد معالم مميزة من الأرابيسك ووصل الصراع إلى طريق مسدود. وتعهدت الحكومة الآن بعدم هدم المسجد بالكامل، لكنها تقول إنها بحاجة إلى إجراء تعديلات على المعالم المصنوعة من الأرابيسك. ووعدت الحكومة ألا تقدم على أي خطوة قبل أن تحصل على موافقة المجتمع المحلي. لكن القيام بذلك يهدد بهدم أقوى رمز للنجاح في بلدة ويتشو، واستعداء المجتمع الذي يعد رمزا لنجاح الإصلاحات الاقتصادية الصينية.بلدة من المسلمين المتدينين وتمثل قومية "هوي" أكثر من 90 في المئة من عدد السكان في بلدة ويتشو. وتعود أصول قومية "هوي"، التي غالباً ما تشير إلى أفرادها وسائل الإعلام الصينية على أنهم المسلمون الصينيون، إلى المسلمين الذين وصلوا إلى الصين في وقت مبكر من عهد أسرة تانغ خلال القرن الثامن الميلادي. وبعد قرون من التزاوج والاندماج في المجتمع الصيني، أصبح لا يمكن تمييز معظم أقلية "هوي" عن غالبية الهان في الصين، باستثناء اعتناقهم للإسلام. وعلى الرغم من تاريخ الصراع العنيف مع أسرة تشينغ الحاكمة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بات يُنظر إلى قومية "هوي" من قبل كثيرين على أنها أقلية نموذجية يجب أن يُحتذى بها في الصين. وفي بعض الأماكن، مثل بلدة ويتشو، يلتزم السكان من قومية "هوي" بتعاليم الدين الإسلامي التزاما شديدا.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption تعد قومية هوي واحدة من أكبر المجتمعات الإسلامية في الصين وأثناء فترة تواجدي في المدينة، أشار السكان بكل بفخر إلى أن معظم السيدات في البلدة يرتدين الحجاب ومعظم الرجال يرتدين القبعات البيضاء التقليدية. ويذهب الجميع تقريبا إلى المسجد للصلاة يوميا. ولا يبيع أي متجر في القرية الكحوليات، ويلتزم السكان بتناول لحوم الحيوانات المذبوحة وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية أو "الحلال". وعلى النقيض من عاصمة مقاطعة ينتشوان، التي يوصف سكانها بأنهم علمانيون، ما زال سكان بلدة ويتشو يلتزمون بتعاليهم دينهم. وكان المسجد الكبير - الذي كان لا يزال قيد الإنشاء - مصدر فخر للمجتمع المحلي. وعندما يكتمل بناء هذا المسجد، سيصبح أكبر مسجد في منطقة نينغشيا، وقد بُنى على الطراز العربي، وفقا لرؤية السكان المحليين، بقبابه البيضاء المتلألئة والقناطر المقوسة، والمآذن الشاهقة التي يعلوها الهلال. ويقام هذا المسجد على مساحة شاسعة تتسع لكافة المصلين بالبلدة في صلاة الجمعة.حملة على ممارسة الشعائر الدينية وبعد أقل من عام من الانتهاء على إنشائه، وجد المسجد نفسه محاصراً في حملة تهدف "لإضفاء الطابع الصيني" على الدين، بناء على توجيهات الرئيس شي جينبينغ. إنها محاولة لتوطيد السلطة ومقاومة الأحزاب، وترى السلطة أن هذه الجهود ضرورية لمكافحة التطرف الديني. وفي خطابه أمام المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، أكد الرئيس الصيني على أنه يجب على الحزب "الحفاظ على المبدأ القائل بأن الأديان في الصين يجب أن تكون صينية في التوجيه، وتوفر التوجيه الفعال للأديان حتى يُمكنها التكيف مع المجتمع الاشتراكي". وفي أعقاب تصريح الرئيس الصيني، شن المسؤولون المحليون في جميع أنحاء الصين حملات صارمة على الممارسات الدينية. وتؤثر الحملة بشكل خاص على المجتمعات الإسلامية في الصين.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption تقول أقلية الويغور إنها تواجه تمييزًا واسعًا في شينجيانغ ويعد أبرز مثال على تداعيات هذه الحملة هو ما حدث في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم التي تقطنها أقلية الويغور في شمال غرب البلاد. وأشار تقرير حديث صادر عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن ما يصل إلى مليون شخص من أقلية الويغور قد تم احتجازهم في معسكرات تهدف إلى "إعادة تثقيفهم" بعد أن اتهمتهم الدولة بالتطرف الديني لأسباب بسيطة مثل ارتداء الحجاب أو السفر إلى الخارج أو نشر أجزاء من القرآن على وسائل التواصل الاجتماعي. وردا على مطالبات من الخارج بإنهاء هذه الحملة، أكدت الحكومة الصينية أن المنتقدين الأجانب لا يفهمون الوضع بشكل كامل. وفي 13 أغسطس/آب، وفي ظل تزايد الانتقادات من المجتمع الدولي، قالت صحيفة "غلوبال تايمز" إن "الإعلام الغربي يجب أن يرى الوضع بنفسه قبل أن يتهم الصين".منطقة نموذجية للمسلمين في الصين على الرغم من أن حملات القمع كانت شديدة في شينجيانغ، فإن قومية الهوي في المناطق الأخرى - ولا سيما تلك الموجودة في نينغشيا - بدأت تشعر أيضا بالضيق. وظهرت تقارير خلال العام الماضي عن حملات تهدف لنزع الطابع الإسلامي وإزالة قباب المساجد العربية من نينغشيا. ويبدو أن المسجد الكبير في بلدة ويتشو، بمعالمه المميزة من الأرابيسك، قد أصبح هدفًا محتملًا لهذه الحملة. وفي تهديد للمجتمع الإسلامي المتدين في بلدة ويتشو، تخاطر الحكومة بإثارة رد فعل عنيف في مجتمع يعد مثالا على أحد أعظم قصص النجاح في البلاد.مصدر الصورةDAVID STROUPImage caption يقول هذا الشعار الدعائي في مقاطعة نينغشيا: "أسرة وطنية موحدة تتعاون لبناء مقاطعة تونغشين الجديدة" وكما هو الوضع في معظم غرب الصين، تخلفت تنمية المدينة عن ركب التطور في الساحل الشرقي المزدهر. وفي تسعينات القرن الماضي، كانت ويتشو تعاني من فقر مدقع وأزمة تعاطي الهيروين. ولا تزال هناك علامات في جميع أنحاء المدينة تحث على الابتعاد عن الإدمان. وصبت حملة التنمية الغربية الكبرى في أوائل عام 2000 الموارد في مدن مثل ويتشو، وفي ظل هذا الدعم الاقتصادي خرجت أقلية الهوي من الفقر المدقع وأعيد ربطها بتراثها الإسلامي. وشارك السكان المحليون في مشروعات تجارية وأصبحوا في وضع اقتصادي أفضل، وجرى افتتاح مدارس للأطفال الفقراء لتعليمهم قراءة القرآن، وبدأ الناس يؤدون الصلاة بانتظام. وقال لي أحد الأشخاص الذين تحدثت إليهم: "يعيش الناس هنا حياة بسيطة، فلا توجد أي بنايات شاهقة، لكن السكان المحليين يعيشون حياة جيدة هنا". وتصاعد التدين الديني للمجتمع جنبا إلى جنب مع التطور الاقتصادي. وينظر سكان البلدة إلى أنفسهم على أنهم نموذج للالتزام بتعاليم الدين الإسلامي والوطنية الصينية في نفس الوقت. *ديفيد ر. ستروب محاضر في قسم الدراسات الدولية ودراسات المناطق في جامعة أوكلاهوما، ومتخصص في الشؤون السياسية والقومية والعرقية بالصين.

مشاركة :