بمغادرة "صقرها" زكي بني إرشيد مطروداً، وإنْ بطريقة مخففة، فإن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية تكون عملياً قد أشرفت على تفسُّخها، إذ خرج منها، على مراحل متعاقبة، عدد من قادتها الأساسيين، بعضهم بادر إلى إنشاء تنظيمه الخاص؛ كالمراقب العام السابق سالم الفلاحات، الذي لم يتوان عن أن يكون له حزب لا علاقة له بهذه "الجماعة"، باسم "حزب الشراكة والإنقاذ". وهذا ينطبق على المراقب السابق عبدالمجيد الذنيبات، الذي كان قد غادر مبكراً وأصر على أنه وجماعته يشكلون الشرعية الرسمية لهذا التنظيم الإسلامي، الذي تشرذم "أيدي سبا"، كما يقال، بعد سنوات طويلة. أصبح الإخوان المسلمون الطفل المدلل في الأردن، في نهايات عقد خمسينيات القرن الماضي، حيث جرى ذلك الصدام التناحري بين النظام الأردني وبين الحركة القومية واليسارية، ممثلة بحزب البعث وحركة القوميين العرب والحزب الشيوعي أيضاً، وحيث تمت ثلاث محاولات انقلابية فاشلة في عام 1957؛ قيل في وقتها إن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر كان على علاقة بها جميعها، من خلال نائبه ووكيله في دمشق الجنرال عبدالحميد السراج، ويومها كانت هناك "الجمهورية العربية المتحدة". أصبح الإخوان المسلمون، بعد كل هذه المحاولات الانقلابية الفاشلة، الحزب الحاكم في الأردن، أو الأداة الحزبية للنظام الأردني، فهؤلاء قد سيطروا على وزارة التربية والتعليم وعلى وزارة التعليم العالي، وغيّروا معظم المناهج المدرسية والجامعية الأساسية وفقاً لمنطلقاتهم وتوجهاتهم الحزبية. والحقيقة أن المملكة الأردنية الهاشمية لا تزال تعاني بسبب هذا الإرث الثقيل، وخاصة أن الأغلبية في الجهاز التعليمي بقيت لهم حتى فترة قريبة، لا بل إن البعض يقول حتى الآن. وعليه، فإن "شهر العسل" بين هؤلاء والنظام الأردني قد استمر عملياً، مع بعض الاهتزازات العابرة، حتى بدايات "الربيع العربي"، حيث بعد هيمنة "إخوان" مصر على الحكم والإتيان بأحد قادتهم، محمد مرسي، بديلاً للرئيس الأسبق حسني مبارك، بدأ الصدام بينهم وبين الحكومة الأردنية، وأيضاً بينهم وبين أحزاب الأردن القومية واليسارية والعلمانية، بل بينهم وبين الشعب الأردني، عندما بادروا إلى فعل ما فعله إخوانهم في أرض الكنانة، ونزلوا إلى ساحات المسجد الحسيني، كما نزل أولئك إلى ساحة التحرير، فكان أن بدأت تظهر خلافاتهم الداخلية، وأخذت الانشقاقات تضرب صفوفهم على مستوى القيادة والقاعدة، إلى أن وصلوا إلى ما هم عليه الآن... هذا الذي بات يعتبر، حتى من جانب أوساطهم الفاعلة، نهايتهم التنظيمية والسياسية. ولعل ما يجب أن يقال في هذا المجال أنّ هؤلاء، أي "إخوان الأردن" وإخوانهم في كل مكان وعلى رأسهم ما يسمى التنظيم العالمي، لم يدركوا أن حركة التاريخ قد جرفت أحزاب القرن العشرين كلها، وأن متطلبات هذا القرن، القرن الحادي والعشرين، باتت بحاجة إلى قوى وتنظيمات برامجية، وأن الأحزاب السابقة الموروثة؛ أحزاب الشعارات الصاخبة، لم تعد قادرة على تلبية مستجدات المرحلة الجديدة، أو تلبية متطلبات الأجيال الصاعدة، ولذلك كان لا بد من أن يتلاشى حزب البعث بكل أطرافه، ومعه تجليات حركة القوميين كلها والحزب الشيوعي... والآن ها هو "الدور" قد وصل إلى الإخوان المسلمين، ليس أردنياً فقط، بل عربياً وأيضاً عالمياً!
مشاركة :