صوم يوم عرفة «يكفر السنة الماضية والباقية»

  • 8/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أيام قلائل ويهل علينا عيد الأضحى المبارك بنفحاته الإيمانية، وعطاياه الإنسانية والاجتماعية، وما فيه من قربات لله تعمق الصلات بين المسلمين، وتساعد على إنهاء ما بينهم من مشكلات وخلافات. والسؤال الذي يفرض نفسه وينبغي أن يتردد داخل كل مسلم هو: كيف نستفيد روحياً وإنسانياً واجتماعياً من أجواء عيد الأضحى المبارك، ولا يكون دورنا فقط مجرد متابعة حجاج بيت الله الحرام عبر الفضائيات وهم يؤدون مناسكهم؟نخبة من كبار علماء الأزهر يقدمون النصائح والتوجيهات للجماهير المسلمة من خلال السطور التالية حتى يعيش المسلمون جميعاً في أجواء ربانية، ويتقربوا إلى خالقهم بكل صنوف الخير.يحدثنا د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق عن أجواء عيد الأضحى المبارك فيقول: أجواء هذه الأيام المباركة تبدأ من أول ذي الحجة، حيث حث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على الاحتفاء بالعشر الأوائل من هذا الشهر المجيد لما لها من فضل كبير، فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بها في قوله سبحانه: «والفجر وليال عشر». وقد قال العلماء، إن هذه الليالي هي الليالي العشر من ذي الحجة و«الفجر» هو فجر يوم النحر.ويضيف مفتي مصر السابق: لقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العشر الأول من ذي الحجة فقال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»، يعني أيام العشر.. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله. إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء».العمل الصالحويوضح د. جمعة، أن العمل الصالح الذي حثنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام يشمل كل عمل يقرب الإنسان من خالقه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم، إلى بعض الأعمال الصالحة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم في هذه الأيام المباركة فقال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير».. لكن هذه العبادات والأعمال الصالحة الواردة في الحديث لا تلغي بقية أعمال الخير، فكل عمل صالح يفعله الإنسان له ثوابه المضاعف خاصة ما يتعلق بذكر الله والصيام والقيام.وعن فضل صوم يوم عرفة، الذي يحرص عليه كثير من المسلمين الآن، يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: لا شك أن عطاء هذه الأيام الطيبة يتجلى يوم عرفة، وهو يوم عظيم من أيام الله المباركة وعطاؤه لا يقتصر على ضيوف الرحمن، حيث يمثل الركن الأعظم لمناسك الحج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة»، وهو قول كريم يجسد مكانة هذا اليوم العظيم.ويضيف: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية»، وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام: «يعدل صيام سنة»، وقيل «يعدل صيام سنتين»، وهذه الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل دلالة واضحة على فضل صيام هذا اليوم لغير الحاج، حيث لا يلزم الواقف بعرفة بصيام هذا اليوم بل يسن عدم صيامه حتى يقوى الحاج على أداء ما عليه من التزامات دينية أخرى تحتاج إلى مشقة وجهاد بدني ونفسي، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم هذا اليوم خلال حجة الوداع، فالأولى بضيوف الرحمن عدم صومه اقتداء بالرسول.صلاة العيدويقول د. محمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: ينبغي أن يحرص المسلم على صلاة العيد ولا ينشغل عنها بأي أمر من أمور الدنيا، فهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر الرجال والنساء- حتى الحائضات منهن- أن يخرجوا لها.. ووقت صلاة العيد عند جمهور الفقهاء يبتدئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب رؤية العين المجردة ويمتد وقتها إلى ابتداء الزوال.ويوضح د. وسام أن مكان أداء صلاة العيد محل خلاف بين العلماء: منهم من فضل الخلاء والمصلى خارج المسجد؛ اقتداء بظاهر فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من رأى المسجد أفضل إذا اتسع للمصلين.والسنة أن تصلى صلاة العيد جماعة؛ وهي الصفة التي نقلها الخلف عن السلف، فإن حضر المصلي وقد سبقه الإمام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض؛ لأنه ذكر مسنون فات محله، فلم يقضه كدعاء الاستفتاح، والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في العيدين، ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالى.والسنة إذا فرغ من الصلاة أن يخطب الإمام خطبتين، يفصل بينهما بجلسة، والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، ويذكر الله تعالى فيهما، ويذكر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويوصي الناس بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن، ويعلمهم كيف يتقربون إلى الله ويصلون أرحامهم في العيد وكيف يحتفلون به بعيداً عما يغضب الله ويجلب لهم عقابه.. ويستحب للناس استماع الخطبة. ويشرع قضاء صلاة العيد لمن فاتته متى شاء في باقي اليوم أو في الغد وما بعده، وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير.ويجوز لمن فاتته صلاة العيد أن يصلي أربع ركعات كصلاة التطوع، وإن أحب فصل بسلام بين كل ركعتين؛ وذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «من فاته العيد فليصل أربعاً».الأضحية.. لماذا؟عقب أداء صلاة العيد يشرع المسلم في ذبح أضحيته لو كان قادراً ومستعداً للأضحية.والأضحية- كما يقول د. محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر- سنة مؤكدة، ويكره تركها بالنسبة للقادر عليها، والقادر على الأضحية كل من يملك ثمنها فوق حاجاته الضرورية، فكل من يستطيع شراء أضحية من دون حرج أو استدانة مطلوب منه أن يضحي اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ضحى بكبشين أملحين أقرنين.. أي خروفين يخالط بياضهما سواد ولهما قرون.الأضحية شرعت شكراً لله تعالى على نعمه، وللتوسعة على الفقراء والمحتاجين.. يقول الحق سبحانه في كتابه الكريم: «إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر».ووقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة العيد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل صلاة العيد أن يعتبر شاته شاة لحم، وليست شاة نسك وعبادة حتى لو تصدق بها كلها ويكتب له ثواب الصدقة ولا يكتب له ثواب الأضحية، لأن الأضحية عبادة والعبادات إذا حد الشارع لها حداً ووقّت لها ميقاتاً فلا ينبغي أن نتجاوزه أو نتقدم عليه.وعن مواصفات الأضحية يقول د. الجندي: يشترط في الأضحية بلوغها السن المطلوبة، والسن المطلوبة في الضأن ستة أشهر وفي الماعز سنة وفي البقر سنتان وفي الإبل خمس سنين.كما يجب أن تكون الأضحية سليمة من العيوب لقوله صلى الله عليه وسلم، «أربع لا يجزين في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقى»، ولكن هناك عيوب أخف لا تمنع ذبحها كمقطوعة القرن والأذن ومشقوقة الأذن.والسنة أن يقسم المضحي الأضحية ثلاثة أقسام، فيجعل ثلثاً لنفسه وأهل بيته، وثلثاً يهديه للأصدقاء والأقارب، وثلثاً يوزعه على الفقراء والمساكين، وأفضل من هذا أن يوزعها كلها على المحتاجين باستثناء جزء يسير يحتجزه لنفسه وأهل بيته ليأكلوا منه على سبيل التبرك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.كيف تحتفل بالعيد؟إرساء التكافلويوضح د. الجندي أن هذه الأيام الطيبة التي تختتم بالعيد ليست لأداء التزامات دينية وأعمال خيرية فحسب، بل أراد الله أن يختتمها بالعيد وهو يوم بهجة وسعادة له أهميته ومنزلته الخاصة في حياة الإنسان.. ويقول: عيد الأضحى أحد عيدين في الإسلام ينبغي أن يعيشهما المسلم بوجدانه ومشاعره، فعيد الفطر يأتي ليفرح المسلم بأداء فريضة الصيام، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك: «للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه»، كما يأتي عيد الأضحى عقب أداء المسلم لفريضة الحج، فيستشعر نعمة الله عليه في تمام الإسلام وكمال الدين، ولذلك سنت الأضحية في عيد الأضحى ليشارك المسلمون في هذه الفرحة بتقديم الأضحية عطاء مادياً وإرساء للتكافل الاجتماعي.ويضيف: من واجب المسلم أن يغتنم هذه الفرصة الذهبية حتى يدعم الروابط الأسرية والاجتماعية مع أهل بيته أولاً ثم مع الأهل والأصدقاء والأقارب والزملاء، فيترك الخلافات والمنازعات، ويبدأ مع الجميع صفحة جديدة مليئة بالفرحة والسرور بالعيد، لأن في ذلك تجديداً لحياته، ودافعاً إلى النشاط والعمل حتى لا تسير الحياة على وتيرة واحدة، فيحدث الملل، وتضعف الهمم.

مشاركة :