تونس – اختار سفير ليبيا السابق لدى الإمارات والمرشح للانتخابات الرئاسية عارف النايض الإعلان عن مشروعه السياسي، بينما مازال الجدل محتدما بشأن إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في ديسمبر المقبل وسط ضغوط خارجية وداخلية لتأجيلها. وأعلن النايض (56 سنة) مساء الأربعاء عن “رؤية إحياء ليبيا 2023” في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة التونسية. ويتكون المشروع من أربعة أسس رئيسية هي: السلام والأمن وسيادة القانون والتنمية الاقتصادية والتنمية البشرية والإدارة الرشيدة وإصلاح القطاع العام. ويعد هذا المشروع بمثابة برنامج انتخابي للنايض الذي فضل القطع مع فكرة الأحزاب التقليدية. ودعا النايض الليبيين للمشاركة بكثافة بأفكارهم لإثراء هذا المشروع مشددا على استعداده لدعم أي شخص يقتنع بهذا المشروع للترشح للانتخابات المحلية والتشريعية باسم الرؤية. وأضاف “نحن نؤمن أن من يحكم البلاد لا بد أن تكون له قوة داخل البرلمان والبلديات”. ويؤسس هذا المشروع لتصور سياسي جديد ينافس الأحزاب التقليدية ذات التوجهات الفكرية والأيديولوجية. وقال النايض لـ”العرب” “هذه ا لرؤية تجمعنا مع كل من يشترك معنا في المقاصد والأهداف، دون تأطير أو هيكلية حزبية، ودون بيروقراطية ملزمة. نعمل كفرق عمل، بمنهجيات إدارة المشاريع، دون التزام حزبي مؤطر”. ويرى مراقبون أن اختيار النايض الابتعاد عن إنشاء حزب مرده الأساسي فقدان الليبيين الثقة في جميع الأحزاب التي تشكلت عقب الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي. ويقول هؤلاء إن أغلب الليبيين يعتقدون أن صراع الأحزاب (المدنية والإسلامية) دفع بليبيا في أتون الحرب الأهلية التي تعيشها اليوم، حيث انشغلت تلك الأحزاب بالمناكفات السياسية بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن انطلاقا من تشكيل الحكومات إلى العزل السياسي فالانقلاب على نتائج الانتخابات واندلاع الأزمة. ويذهب البعض إلى اعتبار أن النايض حاكى ما قام به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي باتت حركة “إلى الأمام” التي أطلقها قبل سنة من وصوله إلى الرئاسة مهيمنة على المشهد السياسي في ظل تراجع الأحزاب التقليدية سواء المحسوبة على اليمين أو اليسار. وعارف النايض دكتور متخصص في العقائد ومقارنة الأديان ومن المساهمين في الحوارات واللقاءات التي تعقد مع ممثلي الديانات الأخرى وهو أستاذ أكاديمي عمل في عدد من الجامعات والمراكز الدولية. وإلى جانب نشاطاته العلمية فإن النايض يترأس شركة لتكنولوجيات المعلومات. ويقدم النايض نفسه كرجل صوفي. ويبدو ذلك واضحا من خلال جولة قصيرة على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، التي تعج بصور ترمز للصوفية أو صور مساجد وزوايا صوفية. يذهب البعض إلى اعتبار أن النايض حاكى تجربة ماكرون الذي باتت حركته {إلى الأمام} مهيمنة على المشهد السياسي وباعتبار أن ليبيا واحدة من الدول المغاربية المعروفة بانتشار المذهب الصوفي فيها، إلا أن رياح التغيير ما بعد 2011 لم تهب فقط على المشهد السياسي وإنما أيضا الديني، حيث ساهم مناخ الحرية وكذلك الفوضى في انتشار أفكار جديدة باتت تشكل تهديدا حقيقيا للصوفية، لعل أبرزها التيار السلفي. ونجح هذا التيار على مدى السنوات الماضية في التغلغل في المجتمع الليبي خاصة بعد مشاركته في محاربة التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش. ويمثل هذا التيار في طرابلس قوة الردع الخاصة ويقودها رجل الدين عبدالرؤوف كارة الذي شدد الخناق في السنوات الأخيرة على المجموعات الموالية لتنظيمي داعش والقاعدة المدعومة من بعض المؤسسات كدار الإفتاء في طرابلس برئاسة المفتي المعزول الصادق الغرياني. ولا يختلف الأمر كثيرا في المنطقة الشرقية حيث تشكّل الكتائب السلفية ثقلا داخل الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، في ما يهيمن السلفيون على المساجد ويعتدون بين الحين والآخر على الزوايا والمقامات الصوفية. ويبدو أن النايض مدرك للوزن الذي يشكله هذا التيار ومدى تأثيره على الرأي العام الداخلي، لذلك اختار عدم التصعيد ضدهم. وقال ردا عن سؤال لـ”العرب” حول رؤيته للتعامل معهم في صورة وصوله إلى الرئاسة إن هذا التيار هو فرع من المذهب الحنبلي وهو مذهب من مذاهب السنة المعترف بها إلى جانب المذهب المالكي والشافعي والحنفي. وشدد النايض على أن كل المذاهب مرحب بها ما دامت لم ترفع السلاح ولم تلجأ للعنف و”إلا لفظها المجتمع”. ولفت إلى أن “الإشكال ليس في الاختلاف وإنما في السعي إلى الغلبة والاحتكار”. ويتوقع متابعون للشأن السياسي الليبي فوز النايض خلال الانتخابات القادمة إذا لم يترشح إلى جانبه خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي. ويرى هؤلاء أن ترشح هذه الشخصيات في وقت واحد سيؤدي إلى تشتت الأصوات ما من شأنه فسح المجال لمرشح تيار الإسلام السياسي. ونظرا لطبيعة المجتمع الليبي القبلي والجهوي يحتاج النايض إلى دعم كبرى القبائل والمدن. وينتمي الرجل إلى قبيلة ورفلة إحدى أكبر قبائل ليبيا. وتتوزع القبيلة على مختلف أقاليم ليبيا الثلاث برقة وفزان وطرابلس وتعد مدينة بني وليد غرب البلاد أكبر تجمع للقبيلة. وورفلة هي إحدى أبرز القبائل التي رفضت إسقاط نظام القذافي، وتعيش خلافا مع مدينة مصراتة التي قادت الانتفاضة التي أطاحت بالنظام. واشتد الخصام بين بني وليد ومصراتة عقب القرار رقم 7 الذي تم على إثره اجتياح بني وليد وارتكاب جرائم ضد سكانها بتعلة تطهير المدينة من أنصار النظام السابق. ويقول مراقبون إن النايض يحتاج لإنهاء هذا الخصام الذي سيساهم بشكل أو بآخر في خسارته للانتخابات إذ أن المدن الداعمة للثورة قد تصطف خلف مصراتة التي يتوزع سكانها أيضا في مختلف مناطق ليبيا لا سيما شرقا وغربا. وفي داخل ورفلة نفسها مازال القرار لم يتخذ بشأن دعم عارف النايض رغم وجود شبه إجماع عليه. ويسود جدل داخل القبيلة حول الشخصية التي يجب أن يتم دعمها حيث تنقسم الآراء بين دعم النايض ومحمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية (ينتمي لنفس القبيلة) وسيف الإسلام القذافي.
مشاركة :