لوجود الكثير من الحواجز بسبب التقاليد، منها الحشمة، وعدم تجاوز الحدود في العلاقة بين الأب وابنه، يمتنع الأب عن تعليمه ماذا يفعل في أول ليلة من ليالي عرسه؟ لذلك يختار الأب أحد أصدقاء الابن على أن يكون بعمر مقارب لعمر ولده أو أكبر قليلاً، ممن تزوجوا، ليكون مرشداً لابنه في ليلة الدُّخلة. ويطلق العراقيون على هذا الصديق المرشد تسمية “وزير” العريس، وعادة يرتدي الوزير ذات الملابس التي يرتديها العريس، ويرافقه منذ صباح يوم العرس حتى وقت الدُّخلة. وخلال ذلك يهمس بأذنه ما عليه أن يفعله عند لقائه بزوجته. ويجلس“الوزير” قرب العريس، ويحرص على عدم مفارقته، وفي نهاية الحفلة يودعه إلى غرفة العروس وسط زغاريد النساء. وفي السنوات الأخيرة لم يعد الآباء في العراق يعتنون باختيار وزراء مُجرّبين، كما كان في الماضي، لإرشاد العريس،عندما يختلي بعروسه. وقال حسين زغير (22 سنة) لـ”العرب” عن مصاعب ليلته الأولى”تقاليدنا في الأعراس للأسف متخلفة جداً. أخذناها عن الأجداد، الذين عاشوا في غير عصرنا. ومن هذه التقاليد التي أقلقتني ليلة عرسي، ولا زلت مشمئزاً مما جرى. كنت أفكر، بأهلي وهم يقفون خارج غرفتنا بانتظار أن أخرج لهم بدليل عذرية عروسي. والدليل منديل أبيض زودتني به أمي، وطلبت مني أن ألوثه بالدم. والأغرب من هذا أن العائلة تتناوله، ويتقاذفه أفرادها وسط الزغاريد، كإعلان للآخرين عن براءة العروس. وعندها يتنفس أهل العريس والعروس الصعداء، فقد أثبت العريس للجميع رجولته، وأثبتت العروس لهم حفاظها على شرفها”. وذكر الإعلامي حسن رشيد (27 سنة) لـ”العرب”، قائلا “أحد أصدقائي يقول إنه صار وزيراً لصديقه، وهو لم يجرب أو يعرف تمام المعرفة ما يحدث بين العريس والعروس ليلة الدُّخلة. يقول كنت آمل أن أحصل على وضع مميز في الحفلة، خصوصاً أن أهل العريس يتكفلون بإنفاق ثمن بدلة مشابهة لبدلة العريس للوزير يرتديها في العرس، ويحصل على عشاء فاخر بالمأدبة”. وأضاف “كنت مطلقاً، لكنني في الحقيقة طلقت الفتاة التي عقدت عليها، قبل أن أدخل بها بسبب مشاكل بين العائلتين. ولم أتحدث مع العريس سوى أحاديث عامة عن الزواج، كتقبيل جبين العروس بعد إزاحة الإكليل عن رأسها ومجاملتها. كان يمنعني ويمنعه الخجل من الاستفسار. وأكمل صديقي ضاحكاً، والله تعالى ستر جهلنا، وتمت الدُّخلة، ولا أدري كيف مضت عليهما تلك الليلة، وهل خلفت في نفسيتهما عقداً، وتعاسات بسبب جهل صاحبي في أول ليلة له”. 1 بالمئة من الحوادث الجنائية وقعت في المدن، والأرياف بسبب ليلة الدُّخلة وأفاد رشيد أن ما تعلمه العريس وأصدقاؤه، ممن اختارهم لمرافقته ليلة عرسه وإرشاده لا يعدو عما شاهدوه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من فيديوهات، ولقطات سينمائية، وتلفزيون. وهذا غير كاف لمعرفة أسرار الحياة الزوجية للعرسان الجدد، مما يتسبب بحوادث قتل، بدعوى عدم العذرية، ومشاكل تؤدي في أغلبها للطلاق، وتعاسة للطرفين. والحل يكمن في استحداث دروس في مناهج المدارس يتعلم منها الطالب والطالبة بالعراق أسرار العلاقة بين الطرفين بعد الزواج، وتعرض عليهم أفلام متخصّصة بهذا الشأن”. وسمى الحاج نجيب قاسم (62 سنة) هؤلاء الوزراء بـ”وزراء فالصو” (مقلدون) وقال لـ”العرب” بعد ما حكى ما حدث لعروس النجف قبل فترة قصيرة، وقال إنها راحت ضحية لجهل زوجها، الذي أعادها إلى أهلها بعد عشرة أيام من عرسهما بدعوى أنها لم تكن عذراء، مما تسبب بوفاة أبيها بجلطة، ودفع بأخيها، ليضربها بآلة حادة أدت إلى وفاتها، واتضح بعد تشريح الضحية أنها كانت عذراء”. وأضاف الحاج نجيب “حوادث قتل أخرى كثيرة حدثت لفتيات مظلومات بالعراق، لم تذكرهن الصحافة، والقضاء ذكر أنها حوادث شرف فقط. ويحصل هذا بسبب الوزراء الـ’فالصو’ الذين رافقوا العرسان ليلة عرسهم، وهم معرفتهم بالمرأة قليلة، وبعضهم بلا تجربة”. وأوضح المحامي نعمان خريبط ــ ناشط مدني، عضو بمنظمة الأسرة والنماء ببغداد أن توصيل المعلومة الصحيحة للعريس والعروس حول العلاقة الزوجية، ضرورية منذ سنوات المراهقة الأولى. ومن الضروري أن تقوم المدارس بذلك ابتداء من عمر 12 سنة للأنثى، و13 سنة للذكر. وأشار إلى أن القانون العراقي أكد على ضرورة أن يكون عمر العروسين وفق القانون رقم 188 لسنة 1956 وتعديلاته في العام 1959 بين 15 و18 سنة فما فوق، وأن يتصفا بالعقل والدراية. هذا واستطرد خريبط “للأسف أن العديد من الزيجات تتم خارج المحكمة في سنوات مبكرة للفتيان والفتيات، مما يعرض حياتهم الزوجية للفشل. ووجدت دراسة أعدّت عن الطلاق بالعراق، أن نسبة 21 بالمئة منه تقع بين العروسين الجديدين من مجموع حالات الطلاق للعام 2014. ونسبة 1 بالمئة من الحوادث الجنائية وقعت في المدن، والأرياف بسبب ليلة الدُّخلة، وما يحدث فيها من جهل، وسوء تقدير من طرف العريس، وأهله اتجاه العروس وأهلها”. وأضاف خريبط “أن وزير العريس غير المجرّب جزء من المشكلة، وليس كل المشكلة. لأن الحياة تطورت وتوسعت دائرة البحث عن المعلومة، والزواج مشروع حياتي مهم بالنسبة للمقبل عليه وعليه أن يتسلح بالمعلومات لنجاحه، فلم يعد الشاب جاهلاً، كما كان أهلنا في بداية القرن الماضي، فيحتاج إلى وزير، أو ما كان يطلق عليه ‘أبوالعُرِيف’ الذي يرشد إلى ما يفعل ليلة الدُّخلة”. وأوضح قائلا “كان يتم في القرن الماضي اختيار مرافق العريس، ليرافقه قبل أيام من العرس، ويوضح له الكثير من الأمور التي يجهلها العريس بمسؤولية. وعادة يتم اختياره من بين المتزوجين بزوجتين أو أكثر، وأكبر عمراً من العريس بعشرين سنة أو أكثر، لكي يوضح للعريس كيفية التعامل مع زوجته في الليلة الأولى”. وبعض الإقطاعيين الأثرياء والتجار، قديماً، كما ذكر لي جدي. كانت العائلة تبعث ابنها قبل العرس بفترة مع ــ الأمةــ التي لها تجربة في بيت معزول، لتعليم الشاب كيفية التعامل مع زوجته في ليلتهما الأولى.
مشاركة :