بداية موفقة أيها المعلمون

  • 9/4/2013
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

اعتاد كثير من الناس إسداء النصائح والتوجيهات تصل إلى حد الأوامر المباشرة، لأبنائنا وبناتنا في مختلف مراحل التعليم، وكأن العملية التعليمية تخص الطلاب وحدهم، مع أن معظم من يقرأون هذه المقالات ليسوا من الطلاب ولا من المثقفين. نعم، نحن كأولياء أمور نأمل من أبنائنا وبناتنا أن يأخذوا العملية التعليمية مأخذ الجد، وأن يبذلوا الجهد والعرق في التحصيل العلمي، والإفادة والاستفادة، وأن يعلموا أن الإجازة قد انتهت وبدأ عام دراسي جديد له حق، بل حقوق عليهم أهمها الجهد والاجتهاد والتحصيل والتركيز. لكن حديثي في هذا المقام موجه في أساسه –وقد عملت في مجال التعليم عقودا– إلى المعلمين، أرجو منهم الإخلاص في العمل، وإدراك عظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، فهم الذين يعدون اللبنات التي يبنى بها الوطن، فإذا كانت هذه اللبنات هشة، فلن يستقيم البنيان ولن يقوى على مواجهة الرياح العاتية، ونحن في عالم البقاء فيه للأقوى، والعلم هو أقوى سلاح في أيدي الشعوب والأمم. وآمل من إخوتي وأبنائي وزملائي المعلمين أن يكونوا قدوة لتلاميذهم وطلابهم وأن تتسع صدورهم لأسئلة الصغار والكبار، وأن تتسم سلوكياتهم بالتواضع حتى يتمكنوا من أسر قلوبهم، بل وعقولهم والفوز بحبهم، ولأذكر زملائي المعلمين بقصة بسيطة تروى عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، لنستخلص منها العبر والعظات لهم ولنا وللآخرين، إذ يروى أن الإمام أحمد –رحمه الله سافر ذات يوم إلى بلدة من البلدان ودخل أحد مساجدها حيث صلى– ولا يعرفه أحد ثم أراد أن ينام قليلا في المسجد، لكن الخادم رفض بقاءه وطلب منه الخروج، فاستجاب لطلب الخادم وخرج دون أن يخبره من هو ثم أراد الإمام أن يستريح على باب المسجد فرفض الخادم بقاءه –وهو لا يعرف شخصية ابن حنبل– ورأى أحد الخبازين هذا الرجل المسن ورأى موقف الخادم منه، فرأف به وأخذه عنده ليستريح، فراقبه الإمام أحمد وهو يخبز خبزه، فإذا بالرجل لا يؤدي عملا إلا واستغفر فسأله ابن حنبل عن بداية ممارسته لعمله، فأخبره بأنه يعمل خبازا منذ سنوات، وأنه يداوم على الاستغفار وقد استجاب الله تعالى لكل دعائه إلا دعوة واحدة، ألا وهي رؤيته للإمام أحمد بن حنبل، فقال له الإمام: أنا أحمد بن حنبل وقد بعثني الله تعالى إليك. هكذا تواضع الإمام، لم يستغل اسمه ومكانته للنوم في المسجد ولا في اللجوء إلى الخباز، وكان باستطاعته الإعلان عن هويته والنزول عند علية القوم، بل وقبل استضافة أحد العوام له، وما أحوج المعلمين للتواضع، وهم لم يصلوا إلى علم أحمد بن حنبل ولا إلى مكانته، وليتهم يشاركون تلاميذهم في أنشطتهم، بل وفي العمل على تنظيف فصولهم ومدارسهم. وهكذا نجد ثمار الاستغفار والاستجابة الربانية للدعاء، وما أحوج المعلمين والطلاب بل وما أحوجنا إلى استجابة الله تعالى لدعائنا. المعلمون في المدارس اليابانية يشتركون مع تلاميذهم في نظافة مدارسهم وفصولهم، واليابان ليست فقيرة، وهم لا يفعلون ذلك توفيرا للعمالة بل تعبيرا عن حبهم للمكان الذي يعملون فيه، وتواضعا منهم واعتبارهم القدوة للصغار. هكذا كان سلوك علماء المسلمين، وهكذا كان سلوك اليابانيين، فليكن لنا في علمائنا قدوة، وليكن لنا في الدول المتقدمة أسوة ونحن في بداية عام دراسي جديد.

مشاركة :