أدهش فيلم "All Is Lost" العام الماضي الكثير من النقاد لأن طاقم التمثيل يتكون من ممثل واحد فقط، هو روبرت ريدفورد، ويكاد يخلو من الحوارات. وكان من اللافت حينها أنه بالرغم من قلة الحوارات ووجود شخصية واحدة إلا أن الفيلم كان ممتعاً ومنعشاً في جدته. وها نحن نشهد تجربة سينمائية ثانية مشابهة وهي الفيلم البريطاني "لوك" "Locke"، فعلى الرغم من أن الفيلم احتوى على أداءات صوتية لممثلين كثر، لكن الظهور الكامل كان لممثل واحد فقط هو الممثل البريطاني توم هاردي. ويمكن تلخيص قصة الفيلم بأنها تحكي رحلة بالسيارة لشخص يدعى "ايفان لوك" من بيرمينجهام إلى لندن، وخلال هذه الرحلة التي تقارب الساعتين، ويختصرها الفيلم بخمسة وثمانين دقيقة، تتقطع ب"لوك" السبل وهو يحاول الحفاظ على حياته المهنية والشخصية الناجحة في ذات الوقت الذي يمضي فيه إلى المجهول. قد تبدو هذه القصة بسيطة، ولكن تنفيذها يتطلب جرأة كبيرة. فأول تحد يواجه ستيفن نايت، مخرج وكاتب فيلم "لوك"، هو الاستخدام المكثف للصوت عبر الحوارات الهاتفية الكثيرة، على العكس مما هو محمود في السينما، حيث يقال إن الصورة هي الأصل في الفيلم. أما فيما يتعلق بالصورة، فنحن لا نرى سوى موقعين وهما: السيارة التي يقودها "لوك"، والطريق الذي يتغير في إشارة إلى أن السيارة تقطع مسافات مختلفة في كل مرة نشاهدها فيها. ورغم كل هذا، فإن أهم ما يميز هذا الفيلم هو السيناريو الذي لم يشعرنا بالملل من مشاهدة شخص واحد ومكان شبه واحد، بل على العكس. يضعنا الفيلم منذ البداية، مع البطل ايفان لوك، صاحب اللكنة الويلزية، وهو في مواجهة مع ضميره، حيث يرده اتصال أن امرأة، نعرف فيما بعد أنه ارتبط بها في علاقة عابرة، بأنها في المستشفى وعلى وشك ولادة مبكرة ومفاجئة، وهي خائفة جداً ووحيدة ولا تعرف ماذا تفعل، وتريده أن يكون حاضراً. تأتي هذه المكالمة فيما هو متجه لبيته بعد يوم شاق من العمل، حيث تقام مباراة هامة، وقد أعطى وعداً لأولاده بأن يشاهدها معهم. وفي نفس الوقت، ايفان هو مدير مشروع بناء كبير، وسيكون حفل افتتاح المشروع في الموقع في صباح اليوم التالي، وترده مكالمات بوجود بعض التعقيدات في الموقع، والتي لا يعرف سواه التعامل معها، وإن لم تتم بالشكل المطلوب فسوف يكون الافتتاح كارثة، وعليه أن يتحمل تبعاتها بالكامل. كل هذا في كفه، فيما نعرف أن في الكفة الأخرى ذكرى سيئة للوك عن أبيه الذي تركه دون أن يحضر حتى ولادته، ولذلك فلوك لا يريد أن يكون نسخة من أبيه ويكرر خطأه. ماذا يفعل؟ وكيف يتصرف؟ تتوالى المكالمات بين ثلاث جهات: هناك العمل حيث رئيسه يتوعده بالفصل ومساعده في حالة هلع من المسؤولية الملقاة على عاتقه، وعملاء له يطلب منهم إنجاز بعض الخدمات لمساعده لإنجاح عمله، وهناك البيت حيث الزوجة المصدومة من سبب غيابه؛ وأولاده الذين خيب أملهم، وهناك المستشفى حيث المرأة الحامل والممرضة والطبيب. قرارات صعبة ومصيرية في حدود الساعة والنصف تقلب حياته رأساً على عقب. يمكن القول إن فيلم "لوك" هو فيلم طريق من نوع خاص؛ ولم يكن لينجح لو لم تكن كل عضلة من عضلات وجه توم هاردي حاضرة لتنقل لنا انفعالات مختلفة من حزن وغضب وسخرية وقلق وألم وأمل ورجاء، سمح لها بالظهور سيناريو محكم جداً. كما أن وجود لوك في السيارة عبر بشكل جميل عن حالة الحصار التي يجد فيها لوك نفسه فيه أمام كل هذه المواجهات المرهقة التي عليه أن يتعامل معها. وقد كان المونتاج رائعاً ومميزاً في الانتقال السلس بين اللقطات والزوايا المختلفة في السيارة والطريق. كما يحسب للتصوير القدرة على التعامل مع الحيز الضيق للسيارة بشكل متميز. وقد عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان فينيسيا للعام الماضي ثم عرض، بعد ذلك في صندانس 2014. وقد سبق لمخرجه ستيفن نايت أن كتب سيناريو فيلم "Dirty Pretty Things" والذي رشح لجوائز عديدة منها جائزة أوسكار أفضل نص أصلي وجائزة الأكاديمية البريطانية لأفضل نص أصلي أيضاً. كما قد سبق له أن كتب سيناريو فيلم "Eastern Promises" وأخرج فيلم "Hummingbird". أما فيلم "لوك" فقد حصل على جائزة أفضل سيناريو لفيلم بريطاني مستقل. كما حصل على جائزة أفضل مونتاج من جائزة الفيلم الأوربي، ورشح لأفضل إخراج وأفضل ممثل وأفضل سيناريو. وهو في قائمة أفضل عشرة أفلام مستقلة للمجلس الوطني الأمريكي لمراجعات الأفلام.
مشاركة :