تونس - مع قرب حلول عيد الأضحى، ومع ساعات الفجر الأولى يقود سامي الكرداوي قطيع خرفانه إلى أحد حقول مدينة سيدي ثابت شمال العاصمة تونس. ترعى الخرفان في حقول فسيحة متنقلة بين البراري الرّحبة، تتناول ما طاب لها من أعشاب. يراقبها سامي عن كثب، ومن حين إلى آخر يجمعها كلما ابتعدت عن مرعاها، حتى لا تتخلف عن بعضها البعض. قبل أن تنشر الشمس أشعتها الذّهبية الساطعة وتعم المكان، يضم سامي خرفانه إلى بعضها البعض، ويسلك طريق العودة إلى الإسطبل، حتى لا تتأثر المواشي بحرارة الطّقس الشديدة. علاقة خاصة تجمع سامي، راعي الأغنام، بقطيعه؛ فعلى هذا النسق قضّى أكثر من عشرين سنة من حياته. وهي مهنة قال إنها “تمثل الكثير بالنّسبة إلي.. بدأ عشقي لها منذ الطفولة، فوالدي أيضا كان فلاحا ومربيا للمواشي.. ورثت عنه حبه لهذه المهنة”. ويضيف سامي، الذي يقطن في منطقة “شرفش” التابعة لمدينة سيدي ثابت، أنها “مهنة شاقة، لكنني لم أفارقها أبدا، رغم ما تسببه من تعب ومردود مادي متواضع”. وأوضح أنه “قبل أن تصل المواشي إلى المستهلك تمر بمراحل عديدة على مدار السنة، ومنذ ولادتها تتطلب عناية خاصة من علف وأدوية، وتنقلها من مرعى إلى آخر.. نضطر في كل مرة إلى تأجير مراعٍ لتجد الأغنام الكلأ والعشب”. ويستدرك قائلا “لكن هذه المساحات بدأت تتقلص مقابل الأراضي المخصصة للزراعة، وهو ما يرفّع أسعارها، إذ يتراوح سعر المساحة الواحدة المخصصة للرعي بين 400 و500 دينار (146 و182 دولارا)”. ويضيف سامي “نوفر لأغنامنا أيضا أعلافا مركبة، ونقتني الطن الواحد منها بنحو 500 دينار (182 دولارا)، وهو ما يجعل تكلفتها باهظة”. في سوق الأغنام، أو كما يسميها التونسيون “الرحبة”، يلتقي باعة الخرفان بالزبائن، وهناك غالبا ما يدور بينهم نقاش وجدل حول غلاء أسعار الأضاحي هذه السنة. نورالدين العياري الذي قصد سوق الخرفان بمدينة “الجديدة” التابعة لمحافظة منوبة غربي العاصمة تونس، يقول إن “المواطن والفلاح يتكبدان نتائج الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد”. ويضيف “هي سلسلة مترابطة تمر من الفلاح، الذي يواجه غلاء تربية المواشي، والمواطن الذي تصله الأضاحي إلى الأسواق بأسعار يجدها باهظة”. المواطن والفلاح يتكبدان نتائج الوضع الاقتصادي الصعب في تونس بدوره يقول عبدالستار العيفاوي، وهو فلاح، إنّ “تكلفة تربية الأضاحي مرتفعة”، مضيفا أن “الزبون لا يَتفهم ذلك، ويرغب في اقتنائها بسعر زهيد، هو أحيانا لا يدرك أن الخروف يصل إليه بعد أن يمر بمراحل عديدة منذ ولادته وحتى وصوله إلى نقطة البيع”. ويتابع “نأتي من مناطق تبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة حتى نبيع خرفاننا هنا، نتكبد عناء الطريق، ونتخذ مكانا على قارعة الطريق لأخذ قسط من الراحة ليلا، وأحيانا ننام في شاحناتنا.. تلك هي حياتنا مدة ما لا يقل عن أسبوعين قبل عيد الأضحى”. يقول لطفي بن محمود، مسؤول الإدارة العامة للإنتاج الفلاحي (حكومية)، إنّ “وزارة الفلاحة تحدّد أسعار الأضاحي بما يضمن ديمومة قطاع تربية المواشي للأعوام القادمة”. ويوضح أن الوزارة “تراعي في تحديد الأسعار المصاريف التي يتكبدها الفلاح طيلة السنة، وكذلك المقدرة الشرائية للزبون”. ويضيف أنّ “الوزارة وفرت 44 نقطة بيع رسمية في مختلف الولايات (24)، تعتمد على تسعيرة الوزارة، كما توجد فضاءات أخرى تعرض فيها الخرفان، ولكن البيع فيها يتم عبر تقييم الخروف (ليس حسب الوزن)”. وينصح المسؤول الحكومي المستهلك بالتوجه إلى نقاط البيع الرسمية والتريث خلال عملية اقتناء الأضاحي، حتى يبتعد عن المضاربات والوساطات. وأعلن وزير الفلاحة التونسي، سمير بالطيب، في تصريحات صحافية مؤخرا، أنه تم توفير مليون و390 ألف أضحية في الأسواق الرسمية. واعتبر أن هذه الأعداد كافية جدا مقارنة مع معدل الاستهلاك السنوي للأضاحي، الذي بلغ خلال السنوات الماضية حوالي 900 ألف أضحية. وأشاد اتحاد الفلاحة والصيد البحري (مستقل)، مؤخرا، بجهود المزارعين لتوفير الخرفان للمستهلك، رغم الخسائر الجسيمة التي يتكبدونها بسبب ارتفاع الكلفة بنسبة فاقت 20 بالمئة مقارنة مع السنة الماضية. وأرجع الاتحاد ذلك إلى الزيادة الكبيرة في أسعار الأعلاف المركبة، حيث شهدت ست زيادات متتالية خلال النصف الأول من العام الجاري. وأوضح أن سعر الأضاحي بالنسبة إلى الكبش -وهو الخروف الذي يفوق وزنه 40 كلغ- بلغ 11 دينارا للكيلوغرام (4 دولارات). أما بخصوص “العلوش” -وهو خروف يزن أقل من 40 كلغ- فقد بلغ السعر 11.5 دينارا للكيلوغرام (4.18 دولار)، بحسب اتحاد الفلاحة.
مشاركة :