الشباب و البحث عن المعنى في الحياة*١

  • 8/20/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أجزم أن لا أحد ينكر على الشباب وخاصة شباب الألفية الثالثة أنهم يعيشون في وقت تحولات كبرى. فمن حروب طاحنة بين بعض العرب اكلت الأخضر واليابس إلى طائفية ومذهبية بغيضة إلى عولمة للثقافة تتسبب في تغيير القيم، القناعات والأخلاق، إلى إعلام عربي تافه في معظمه إلى ثقافة وفنون من أفلام، مسلسلات ومسرح منحدرة المستوى إلى وسائل تواصل اجتماعي هي بدورها تنقله من عالم حقيقي إلى عوالم افتراضية وعلاقات بعيدة عن الديمومة، إلى أجهزة تقنية مليئة بتطبيقات لا أول لها ولا آخر اصبح الادمان عليها سمة من سمات المرحلة و أخيرآ ايقاع سريع للحياة يتناسب مع الوجبات السريعة..   الوضع الموصوف سابقا انتج شريحة من الشباب يعيش في حلقات مفرغة عدة. حلقة ” الاستهلاك ” ، حيث يصور على أنه مصدرًا للسعادة، حلقة ” المظاهر ” حيث يكون الشكل أهم من الجوهر وما يلبسه الانسان أهم من عقله، حلقة ” آخر موضة ” حيث اصبحت الشغل الشاغل لبعض الشباب والشابات، وحلقة ” التقليعات ” التي يتلقفها بعض الشباب ببهجة و متعة. اصبحت السعادة سلعة يمكن الحصول عليها فقط عن طريق “المال “،!!   من الصعب التعميم ولكن يبدو أن بعض الشباب يجدون أنفسهم في متاهة الخيارات والتي نتيجتها اصبح بعضهم مثل ورقة شجرة سقطت في النهر ويحركها النهر أنّى شاء.   *البحث عن المعنى في زمن هيمنة الجسد على الروح والعقل، في زمن أخذ الترفيه والتسلية حيزا أكبر من الوقت أكثر من قبل، في زمن اصبحت السيادة للمتع الحسية على ما عداها من المتع، في زمن اصبح الاستهلاك يطول كل شئ من الشرب والأكل إلى المعلومات، في زمن اصبحت الماركة عنوان التفرد والتميز وليس العقل، في زمن تحولت الرغبات إلى حاجات ضرورية، في زمن تحولت القدوة من الآباء والأمهات والمعلمين و …إلى قدرات جدد ! في زمن اصبح الكتاب مكمل للديكور، في زمن اصبح فيه بعض الشباب ممن يملكون سهولة في الحصول على المال [ من الوالدين ] تتوفر لهم فرص لانهائية للحصول على ترفيه و تسلية، في زمن تحولت العلاقات الإنسانية إلى مادية أكثر منها إنسانية. في زمن اصبح الخيار المفضل هو الميل للاستسلام إلى الروتين اليومي المليء بالتسلية والترفيه، يتطلب من الشباب الوعي التام بالمتغيرات الإيجابية منها والسلبية وادراك أن هذا الزمن الذي يعيشون فيه استثنائي بامتياز ومن ثم الوعي بالمسؤولية تجاه الذات، الأهل والمجتمع. للأسباب السابقة يجدر بالشباب أن يأخذوا بتحديد مسار حياتهم بجدية أكثر وذلك عن طريق الاتكاء على السند الديني أولًا يليه تقوية الجانب الثقافي والمعرفي المبني على أسس صلبة من التثقيف والتطوير الذاتي و تحديد الاتجاه التعليمي والمهني. باختصار تحديد رؤية وهدف للحياة.   في هذا الصدد وعند حديثه عن ” البحث عن المعنى ” يشير الدكتور ڤيكتور فرانكل في كتابه بعنوان ” الإنسان يبحث عن المعنى ” بالقول:   ” أن مايعوزنا حقيقة هـو تغيير أساسي في اتجاهنا نحو الحياة. إذ كان علينا أن نعلم أنفسنا…. بأن ماهو متوقع من الحياة ليس في واقع الأمر هو موضوع الأهمية، بل أن مايعنينا هو مالذي تتوقعه الحياة منا. كان علينا أن نتوقف عن السؤال عن معنى الحياة، وأن نفكر بدلا من ذلك في أنفسنا كما لو أنها هي في موضع تساؤل من قبل الحياة – في كل يوم وكل ساعة…. وأن اجابتنا ينبغي أن تقوم لا على الكلام.. ولكن على العمل الحق والمسلك الحق. فالحياة تعني في النهاية الاضطلاع بالمسؤولية لكي يجد الانسان الإجابة الصحيحة لمشكلاته ويحقق المهام التي تفرضها على كل شخص بصفة مستمرة “.   في هـذا الاقتباس يوضح فرانكل تفسيره لمفهوم البحث عن المعنى حيث يؤكد على أن الحياة ليست المسؤولة عن عرض نفسها على الإنسان، بل على الإنسان ألا ينتظر لما توفره له الحياة بل هو صاحب المسؤولية في تقرير مستقبله بغض النظر عن العوائق التي يلاقيها. نستذكر هنا الطموح والحلم ودورهما المحوري في توجيه مسار الحياة. الشباب أمامه مسؤولية في الاختيار والإمساك بزمام الأمور.   ” المعنى ” هو ” المسؤلية الفردية ” عن الالتزام بتحديد هدف أو حلم في بنك الأهداف الحياتية القصيرة وبعيدة المدى من مثل تكوين أسرة صالحة وتنشئة ابناء صالحين، تنمية المهارات الشخصية والهوايات…. تلبية الجوع للمعرفة، التطوع، مساعدة اليتامى و الفقراء، الانتساب إلى الجمعيات الخيرية وغيرها كثير .   *الختام من المؤكد أن الشباب لديهم الكثير من التحديات أكثر مما أستطيع وصفه في سطور قليلة.   ترتبط مرحلة الشباب بتحقيق الذات، بالطموح، با الأحلام التي ينوي الشاب أن يحققها في حياته، لهذا تقع عليه مسؤولية البحث عن الاتجاه الذي يريده وأن يفجر الطاقات التي لديه وأن لايضيع شبابه وحياته من دون معنى.   أن الاستسلام للرفاهية الزائدة والفراغ وعدم تحمل المسؤولية تؤدي بصاحبها إلى الكسل، الخمول، الرتابة والصدأ الفكري وعدم المتعة في الحياة. أستحضر في هذه المناسبة مقطع من رواية الحرب والسلام حيث يعبر ليو تولستوي عن حاجة الإنسان إلى الجد وتحمل المسؤولية ” إن فرط التسهيلات في الحياة يدمر كل المتعة التي يشعر بها المرء في ارضاء حاجياته. وأن الحرية المفرطة في انتفاء المشاغل …والتي أغدقتها عليه الحياة [ المقصود أحد ابطال الرواية ].. نتيجة الثراء …تهدم من جهة أخرى الحاجة نفسها إلى الحياة .” !!   *١ يقصد بالشباب الشباب والشابات . البحث عن المعنى مقتبس من عنوان كتاب الدكتور ڤيكتور فرانكل ” الإنسان يبحث عن المعنى “.

مشاركة :