يرى اقتصاديون ومصرفيون، أن المساعي التركية لإنقاذ الليرة، لا تعدو أن تكون مجرد تخدير مرحلي لا يجدي في ظل العقوبات الأميركية القائمة، مؤكدين أن الترنح الذي تعيشه العملة التركية، جاء نتيجة لتداعيات اقتصادية متراكمة، مؤكدين أن أي جهود تبذل لوقف تدهور الليرة ستؤجل فقط مواصلة الانهيار، قبل أن تعاود الانتكاسة من جديد.وقال الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، لـ«الشرق الأوسط» إن «كل القرائن تشير إلى أن أزمة الليرة التركية لن تنتهي قريبا، إذ إن المشكلة سياسية بالدرجة الأولى، وهذا بعد مهم لقراءة المشهد».وعن أثر الـ15 مليار دولار القطرية على الليرة التركية، قال بن صقر إن «قطر لا تملك إمكانية الضخ مباشرة للمبلغ، ولكنه وعد بالاستثمار، وهذا يحتاج إلى وقت أطول... ومن يطلع على بعض التقارير المهمة لبعض المصارف المالية الكبرى، فسيتعرف على مدى وحجم الانكشاف المالي».وعن البعد السياسي لأزمة الليرة التركية، قال بن صقر: «ما أدلّ على ذلك من محاولة إيران لتوظيف هذا الوضع كداعم لتركيا، غير أن طهران لن تستطيع الوقوف مع تركيا إلا إذا كانت ستبيع النفط لها بالدين الذي يصعب سداده أو جزئيا بمقايضة».وأضاف بن صقر: «رغم ارتباط أنقرة بالتصدير والاستيراد بشكل أكبر إلى دول أوروبا، فإن الدور الأميركي أهم، ذلك أن روسيا لن تكون بديلا لضعف اقتصادها... أما ألمانيا فموقفها يأتي بسبب انكشاف البنوك الألمانية على تركيا بقروض ضخمها الدين الخارجي التركي بشكل كبير، ولا يمكن تفعيل عملية الإنتاج الداخلي والتوجه إلى التصدير، من دون استيراد مواد وأدوات من الخارج».من جانبه، قال فضل البوعينين المحلل المالي والمصرفي، لـ«الشرق الأوسط»: «بنظرة عاجلة لأزمة الليرة التركية، نجد أنها جاءت كنتيجة لتداعيات اقتصادية متراكمة ولَم تكن يوما سببا جوهريا للأزمة، لذا فأي جهود تبذل لوقف تدهور الليرة أو إنعاشها، فلن تفلح في تحقيق الهدف، وكل ما ستفعله هو تأجيل مواصلة الانهيار، أو إعطاء مهلة لالتقاط الأنفاس قبل أن تعاود الانتكاسة من جديد».ويعتقد البوعينين أن الدعم القطري للاقتصاد التركي بـ15 مليار دولار «لن يعالج الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا حاليا، وكل ما سيفعله هو الدعم النفسي الذي ربما تحقق منذ الإعلان عنه، إلاّ أن المعالجة تحتاج إلى حجم أكبر من التدفقات الاستثمارية والبرامج العاجلة التي تسهم في معالجة خلل الاقتصاد».ولفت البوعينين إلى أن القطاع المالي والبنوك التركية مطالبة بسداد 76 مليار دولار بنهاية العام، منوها أن ذلك سيزيد من أعباء الليرة الباحثة عن تدفقات داخلة لا خارجة من الاقتصاد، مشيرا إلى أن الوعود الاستثمارية تختلف عن الإجراءات التنفيذية التي يفترض أن تكون حاضرة بدل الوعود، وهذا ما لم يحدث بعد؛ على حدّ تعبيره.وأضاف البوعينين، أن الليرة بدأت رحلة الهبوط خلال الـ10 أعوام الماضية وتسارعت وتيرة التراجع خلال الـ4 سنوات الأخيرة، كنتيجة مباشرة لعجز الميزان التجاري والتوسع في الديون السيادية وارتفاع نسبة التضخم لـ3 أضعاف، إضافة إلى الإدارة السياسية والاقتصادية الخاطئة، التي ينتهجها الرئيس التركي رجب إردوغان، معتقدا أن ما حدث منذ مطلع العام ما هو إلاّ كشف لخلل الاقتصاد بعد الإجراءات المتخذة ضد تركيا، ما عجل بانهيار الليرة.ورأى الدكتور سالم باعجاجه، أستاذ المحاسبة بجامعة جدة، في تعليقه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا مجال لتركيا لتحسين اقتصادها الحافظ على سعر عملتها، إلا من خلال الإصلاح الداخلي، إذ إن البنك المركزي التركي يعاني من مشكلة داخلية لأنه تقع عليه ديون داخلية ثقيلة، وهذا من الصعوبة بمكان في ظل وجود العقوبات الأميركية، إذ إن واشنطن ترفض إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات التركية، حتى لو أطلقت القس الأميركي».وأضاف باعجاجه أن «المساعي القطرية الحالية لإنقاذ أنقرة من آثار العقوبات الأميركية، في ظل دعم روسيا وبعض الدول الأخرى، قد يؤدي إلى تحسن مرحلي لليرة... غير أن هذا الأثر لا يعدو كونه مخدرا فقط، خاصة أن تركيا تواجه تحديات كبيره من عدة جوانب اقتصادية وسياسية متشابكة ومعقدة».
مشاركة :